الأربعاء، 4 مارس 2015

رواية المجهول تأليف ابراهيم نصر


مدينة صغيرة نائية تتعرض لوابل من جرائم السرقات 

والقتل من قبل عصابات صغيرة متنوعة متناحرة ..

تحت سمع وبصر .. حاكم نائم في الملذات .. وشرطة أغلب

أفرادها فاسدين .. وجيش منظم من نواب برلمان وقضاة

وموظفون لحماية نظام الحاكم وحماية عرشه ..

وإحكام سيطرتهم علي كل مقدرات المدينة ونتاج هذا كله

فساد مستشري في مجتمع هذه المدينة ..

و إستقواء الفاسدين بالقانون علي حساب الشرفاء وتم

إهدار جميع حقوقهم وإن أراد أحد المواطنين الشرفاء

محاولة مواجهة هذا التيار أو تعطيل مسيرة هذه المنظومة

الفاسدة .. يتم هلاكه والإنتقام منه أشد إنتقام حتي لا يجرؤ

غيره علي مواجهتهم .. وقد يطول العقاب أهله وماله أو

تصفيته جسدياً عقاباً له ..

ويسيطر هذا الواقع الأليم علي فِكر و خيال أحد الضباط

الشرفاء وهو شاب  حديث التخرج .. " صفوت " تعلم

أصول و قواعد حفظ الأمن في أكاديمية الشرطة علي

مستوي علمي حديث .. وهو مؤمن بوطنه ومهموم بقضاياه

وصادق في حرصه علي أمنها ولكن الواقع يستحيل

السيطرة عليه ..

وهو مثقف .. متطلع .. طموح متفوق ويتمتع بذكاء شديد

ودائماً يبحث في تطوير مهنته للأفضل ويحلم بأنه وزير

داخلية المستقبل ..

وطرأت له فكرة أن يدخل عالم العصابات  بنفسه لفترة

معينة ليكتشف أسرار هذا العالم ليستطيع القضاء عليه

تماماً .. مما يفيده في الحصول علي قضايا كبري وترقية

في العمل .. ليحقق حلمه  ..

ولكن لم يكلفه أحد بمثل هذه المهمة ولكنه بدافع وطنيته

الشديدة وحرصه علي مستقبل أفضل لأولاده بلا إجرام ولا

فساد .. فأضطر إلي إيهام الجميع بأنه سوف يقوم بتكملة

دراساته الأكاديمية للحصول علي دكتوراة ..

مما يعطيه الوقت والفرصة ليقوم بمهمته الإنتحارية علي حد

وصفه .. فقام بزرع نفسه متخفياً داخل إحدي عصابات 

المخدرات و أوهمهم بأنه تاجر مخدرات يحمل نوع جديد من

المخدرات ويريد من رجال هذه العصابة أن تساعده في

دخول المخدرات لهذه المدينة لأن النوع الجديد مكاسبه

خرافية ومضمونة ولكن مخاطره هائلة لأن رجال الشرطة

لن تسمح بدخول هذه الأنواع وأيضاً لأن العصابات الأخري

لن تقبل بسهولة منافستها في كارها ..

وسريعاً علم رجال العصابات الأخري بأمر التاجر الجديد

وبدأوا في جمع المعلومات المتاحة عن شخصيته و أفراد

عصابته وعن النوع الجديد من المخدرات ..

لكن بطلنا "صفوت " قوي الفراسة فكان يهرب من إعطاء

معلومات مفيدة للغير مما يساعده علي كسب ثقة العصابات

الأخري ليقترب منهم ويتعاون معهم ..

وحدث ما خطط له الضابط .. وطلبه زعيم أكبر العصابات

ليلتقي به ويعرفه عن قرب ويكتشف من هو ..

تاجر مخدرات أم عميل للشرطة أم ماذا .. وذلك لخبرة

ومعرفة ودراية زعيم العصابة بكل رجال العصابات الأخري

وبكل أفراد الشرطة الموجودة في المدينة ..

ولكن مقابلة واحدة من الزعيم مع بطلنا لا تكفي لأن بطلنا

يتمتع بالذكاء والفطنة وحسن التصرف ولكنه لفت نظر

الزعيم بإمكانياته العقلية والجسدية .. وثقافته وعلمه ..

وتوالت المقابلات والعمليات الصغيرة بين زعيم العصابة

وبطلنا الضابط الذي كان ينتظر الحصول أكثر علي ثقة

الزعيم ليستطيع الحصول علي معلومات تفيده في توجيه

ضربة قاضية لهذا العالم الإجرامي ..

ولكن الوقت سرقه فقد مر عامان ولم يحصل الضابط علي

ما يريد فأحس بأنه يغرق ..

وخلال ذلك كان الضابط المتخفي يثبت كفاءته لدي الزعيم

كتاجر مخدرات يورد البضاعة من الخارج ويهرب من

كمائن الشرطة المسلحة ويتبادل معهم إطلاق النار

والمطاردات ولكن بطلنا علي علم بكل ما يدور في كواليس

الشرطة وخططهم وطرق تنفيذها فيسهل عليه الهروب من

ذلك ولكن في إحدي المطاردات يضطر بطلنا إلي قتل أحد

ضباط الشرطة الذين يقومون بمهامهم بعد مطاردة مثيرة

من ضابط كان زميل له في الاكاديمية وكان يؤدي دوره

.. ولكن بطلنا كان يدافع عن نفسه فأرداه قتيلاً وظل يبكي

عليه ..

وهنا حدثت وقفة لبطلنا مع نفسه .. فقال ماذا فعلت ؟

ولماذا قتلت ؟ .. هل أنا تاجر مخدرات أم ظابط كفء ..

هل أستطيع الفصل بينهما وهل أنا قادر علي النجاح في ذلك

؟ .. هل طموحي أقوي من وطنيتي ؟..

هل أنا وزير داخلية المستقبل ؟ أم أنا زعيم أكبر عصابة

مخدرات في المستقبل ؟ ..

وأثناء ذلك يتعرف البطل علي عشيقة زعيم العصابة بعد أن

أصبح هو الذراع اليمني للزعيم والمقرب منه دائماً ..فحدث

تقارب بين البطل والعشيقة .. فوجدها البطل إنسانة متمردة

غجرية تكره حب الإمتلاك قوية لا تنكسر بسهولة .. جميلة

جذابة  ..

وأما الزعيم فهو رجل سكير طاعن علي سن الزواج ينام

مبكراً يميل للعنف والوحشية ..

وكان التقارب بين البطل وعشيقة الزعيم لقرب أعمارهم

من بعضهم كما أنها وجدت في بطلنا الشاب خلاصها من

العشيق العجوز الذي تتحمله فقط لثراءه الفاحش و الحياة

المرفهة التي تعيشها ..

و رأي فيها بطلنا الضابط طريق له لمعرفة كل شئ يحدث

في كواليس زعيم العصابة ليستطيع جمع الكثير من

معلومات  عن الزعيم  تفيد الضابط في خلاصه من هذا

العالم وتحقيق طموحه الشرعي في الحصول علي قضية

كبري تفيده في ترقيات ليصبح وزير الداخلية ..

وتعددت مقابلات البطل والعشيقة في أماكن مختلفة و أوقات

مختلفة .. وكان يستدرجها في الحديث لمعرفة كل شئ وقد

واتته فكرة عبقرية من مشهد بسيط لعشيقته تنفخ في بالون

الي أن يفرقع ..فيقول وجدتها ..

انا أريد القضاء علي الزعيم فيجب أن أنفخ في مكانه

ومكانته ليكبر الزعيم كثيراً وكلما كبر كلما أمكن القضاء

عليه ..

فإقترح البطل علي الزعيم ضم كثير من العصابات الصغيرة

إلي عصابته لتصبح أكبر عصابة في المدينة وإقترح عليه

إتساع النشاط بدرجة كبيرة بإضافة بعض الأعمال

المشروعة بجانب النشاط الأساسي  ..

وكان بطلنا يقصد أن يكبر الزعيم كثيراً ويكبر معه أعداءه

سواء من الشرطة أو العصابات الأخري ..

ويصبح مثل البالون المنفوخ يسهل تدميره ..

إلا أن الزعيم بعد تفكيره لفترة قصيرة ..

رفض في البداية إلا أن محاولات بطلنا في إقناع الزعيم

نجحت بعد عرض البطل علي الزعيم شكل تطوير العصابة

وتجديدها بضم عناصر مميزة من عصابات أخري ..

وأقنعه بدخول عالم الشهرة والأضواء من خلال أعمال

خيرية يتم غسل أموال العصابة القذرة فيها مع بروباجندا

إعلامية مأجورة تعمل علي تمجيد رجال الأعمال الشرفاء

الوطنيين الذين يقومون بأعمال خيرية لصالح وجه الله..

وقد حدث ..

إستفاد زعيم العصابة ( رجل الاعمال الوطني ) من الوضع

الجديد لعصابته مما أثار حقد وغيرة وكراهية رجال

وزعماء العصابات الأخري .. ولم تستطيع مواكبة التطوير

والتجديد الذي حدث مما جعلها تشن حرب إعلامية ونفسية

ومسلحة أيضاً .. علي كل مصالح الزعيم وعلي الزعيم

نفسه ولكنه كان ينجو مما يدبر له كل مرة ...

ووجدت العشيقة فرصة كبيرة لها هي وحبيبها بطلنا

الضابط .. الذي جمعتهم علاقة حب ملتهبة .. في الخلاص

من الزعيم العجوز .. ليخلو الجو لهما ..

فرفض البطل الموافقة علي الخلاص من الزعيم لأنه بمثابة

الأب الروحي له في عالم الإجرام  ....

ولأن العشيقة أنثي ساحرة لا تقاوم وتعلم أدواتها جيداً

وتجيد إستغلالها .. فبدأت في مراوغة بطلنا فمرة معه

ومرات تجعله يغير بتوددها لغيره أو بنسيانه وتجاهل

إتصالاته أو بالتمثيل عليه أنها سعيدة مع الزعيم ..

وقد أتت محاولاتها بأثر في نفس البطل الذي أيقن أنه  قد

تغيرت ملامح كثيرة فيه فلم يصبح بطل الشرطة الطموح

ولكنه أحس بأنه يحب عشيقة تستخدم جسمها الناضر في

مساومته علي أن يفعل شيئا هو يرغبه في داخله الخلاص

من الزعيم بدافع تطهير المدينة ولكنه لا يريد أن يقتله ..

وظل يتردد إلي أن رضخ لرغبات العشيقة في الخلاص من

الزعيم ليتزوجا ..

فقام البطل بتدبير عملية إغتيال منظمة بعد تسريب معلومات

لأعداء الزعيم عن تحركاته مما سهل عملية قتله التي

وصفت إعلامياً بالحادث المروع الذي أودي بحياة رجل

الاعمال الوطني (زعيم العصابة ) ..

وإستولي بطلنا علي قلب وجسد عشيقته وعلي كرسي

الزعامة وأصبح الزعيم الجديد للعصابة ورجل الأعمال

الوطني القادم  .. ولأن بطلنا ذكي .. سرعان ما إتسع نشاط

العصابة وضم أفراد جدد وزيادة المركز المالي للعصابة

وكثرة إفتتاح مشاريع وطنية عظيمة علي حد وصف الإعلام 

.. مثل المولات والسينمات والمطاعم والمسارح

والمستشفيات والمصانع ..

وكأنه قد تناسي انه كلما كبر أكثر كلما ازداد أعداؤه

وإزدادت المكائد التي تنصب له للإيقاع به ..

فكان يخوض معارك طاحنة شرسة في تجارته الأصلية من

قِبل العصابات الأخري .. ومشاكل كبيرة في أعماله

المشروعة من تهرب ضريبي .. الخ

وكان قد أثار بطلنا (زعيم العصابة الجديد) حفيظة  حاكم

المدينة فأمر بمحاصرته والتضييق عليه حتي لا يكسب مالاً

آخر أو تزداد شعبيته بين العامة المستفيدين من مشاريعه

المشروعة .. والتي قد يستفيد بهما في أي إنتخابات قادمة

.. فيفقد سيطرته علي المدينة ويفقد عرشه ..

وأمام هذا كله أراد بطلنا أن يعزز مكانته في مواجهة الحرب

التي يشنها الحاكم عليه بحصوله علي حصانة قانونية بأن

يكون عضواً في مجلس المدينة مستغلاً شعبيته الجماهيرية

وكان الحاكم يستخدم جميع الوسائل المتاحة له لمحاربة

بطلنا في مصالحه مما جعل بطلنا يستخدم شعبيته في حشد

الجماهير المقتنعة به في وقفات إحتجاجية – إضرابات

وإعتصامات - ..

وقام بتدشين حملة صحفية مأجورة للدفاع عنه وعن

مصالحه المنتشرة في المدينة وعن أعماله الخيرية ..

وأعطت الحاكم دروساً في كيفية ممارسة الحقوق السياسية

والحفاظ علي حقوق الآخرين ..

مما ساعد علي إنضمام الآلاف من العامة إلي دعوة بطلنا

الزعيم وقام الحاكم بغباء بمحاولة وأد الثورة قبل أن تشتعل

مما أدي بها إلي أن تكون ثورة حقيقية .. ضاع فيها الكثير

من الضحايا فإنتفض شعب المدينة ..

وأختاروا بطلنا حاكماً جديداً للمدينة بعد تنحية الحاكم

السابق فوصل بطلنا الي الحُكم علي جثث شرفاء آمنوا به

و ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل وصول بطلنا ( زعيم

العصابة ) وهو في نفس الوقت رجل الاعمال الخيرية الذي

رأي فيه الشعب خلاصهم من الفساد والرشوة والقتل ليخلق

لأولادهم مستقبلاً أفضل ..

وبعد وصول بطلنا للحكم أراد أن يقف فيها مع نفسه

ليحاسبها مرة أخري بعد أن يمر شريط حياته أمامه ..

وأراد أن يعتزل عالم العصابات والمخدرات ويباشر إصلاح

بلاده .. ولكن شركاؤه وأتباعه والمستفيدين من هذا العالم

لن يتركوه يغادره بسهولة ..

فأخذ يفكر ويفكر في كيفية هروبه إلي ما يريد ولكنه لم

يصل لشئ .. وأيضاً خصومه ومنافسيه لم ينتظروا كثيراً

عليه وقاموا بشن حرب سياسية وقانونية وإعلامية ضده ..

وأدخلوه و أدخلوا البلاد في متاهات فوضي و إرهاب و إنعدام

أمن إستغلالاً لظروف ثورة وقاموا برشوة بعض ضباط

الشرطة لمساعدتهم علي تحقيق سيناريو الفوضي  المخطط

له من قِبل خصوم الحاكم الجديد الذين يرغبون في ضرب

مصالح الحاكم وممتلكاته وأعماله كلها لتفشل ويفشل هو

معها ..

وحاول الزعيم أن يتصرف سريعاً لمواجهة ما يقابله إلا أن

تصرفاته يشوبها الحيرة والتردد قبل إتخاذ أي قرار مما

ينتج عنه كوارث من الحرق والقتل والسرقة ووضعته

تصرفاته سريعاً في مصاف الديكتاتوريين ..

وفي خِضّم هذه الأحداث توالت الضغوط علي البطل  بعد

إكتشافه أن حبيبته وعشيقته الذي فعل ذلك من أجلها حملت

منه جنيناً ثم أسقطته لإدمانها المخدرات وإنشغاله عنها

بأمور الحكم و زعامة العصابة ..

ثم إكتشف خيانتها له مع أحد أفراد بطانته .. فجن جنونه

و أتي به إلي غرفتها و قتله أمامها بوحشية..

وتوسلت إليه أن يتركها تعيش وإستغلت سحرها في إقناعه

لكن بداخلها خوف كبير من أن يقتلها ..

وبداخلها أيضاً إمرأة شرهة و شهوانية و غرائزها لا تنتهي

وهي لا تشبع من الملذات ..

وتأثراً بما حدث أراد بطلنا وضع نهاية لمعاناته فواجه نفسه

بنفسه .. وكانت مواجهة صعبة بين زعيم العصابة ورجل

الشرطة الشريف ..

وإنتهي إلي إدانة الإثنين و أحس بالندم الشديد و إختار أن

يعاقب نفسه بالنفي في مكان لا يعلمه أحد وصارح حبيبته

وعشيقته برغبته تلك فرفضت في البداية ولكن خافت أن

يقتلها .. فوافقت علي أن ترافقه في منفاه ..

وفي بالها أن ذلك لن يدوم إلا فترة قصيرة يعود بعدها

الزعيم إلي رشُده ويعود لعرشه الذي خَلا بعد هروبه إلي

منفاه دون علم أحد و أصبحت المدينة بلا حاكم وتحت وطأة

فوضي و إرهاب ..

ولكن تبددت آمالها بعد فترة لم تطيق أن تعيش بعيداً عن

الأضواء والشهرة والإحساس بالتميز و الإنفراد و التمتع

بالسلطة و جبروتها .. وتعيش أنثي عادية في حياة بسيطة

جداً ..

وهي لم تكن كذلك ولن تكون فهربت من بطلنا وتركته

وحيداً حزيناً كئيباً لأن حبيبته فارقته دون أن تودعه وخانته

.. وخاف من أن تُبلغ عن مكانه فهرب بعيداً علي حالته

وظل يسير ويسير بين أحراش علي طرف المدينة إلي أن

أحس بأنه قد تاه ولن يعرف طريقاً له بعد ذلك فأحس أنها

النهاية ولكن بعد قليل من سيره وجد كوخاً صغيراً ووجد

أمامه إمرأة عجوز لا تقوي علي حمل الحطب ولا  علي

قطع بعض  الأشجار ... ولديها حظيرة تُربي فيها دواجن

وطيور وبعض الماشية ...

فلجأ اليها سريعاً راجياً منها أن تخبئه و أعطاها كل ما معه

من مدخرات لتتركه يعيش أيامه الأخيرة في أمان وتوافق

العجوز علي إستضافته ولكن هي حذرة وخائفة .. ولكن

وافقت ليساعدها بماله وعطاياه و بجهده إن أمكن .. وبدأت

في التعرف عليه و بدأ هو في التعرف عليها ..

وعن نفسه أخبرها قصة كاذبة لهروبه ولجوءه اليها ..

وتحدثت هي أنها تسكن من زمن بعيد في هذا المكان وهي

تعيش علي قطع الأشجار وبيع أخشابها و كان زوجها

يساعدها ولكنه توفي وهي لها إبن معاق ذهنياً يدرس في

مدرسة لمثل حالته ويتواجد معها في الراحة الاسبوعية

ليساعدها في قطع أكبر عدد من الأشجار ..

ولكنه الآن غير موجود وبعد أيام قليلة لاحظت العجوز أن

بطلنا قليل الكلام كثير الشرود حزين الملامح ولكن عندما

تطلب مساعدته تجده علي الفور يلبي طلبها ..

وكان مشغول جداً بكتابة مذكراته والذي قصد منها إعطاء

دروس في الحياة لكل إنسان بات يحلم أحلاماً جميلة ولكن

لم يصل إليها لأن الحياة لا تعطي كل ما نتمني وقد تمنح

فضلها لبعض الناس وليس كلهم ..

ولكن قد أخبر عشيقته بنيته في كتابة مذكراته وهي

المعلومة التي إستفادت منها العشيقة في كسب الكثير

خصوصاً بعد الإبلاغ عن مكانه ليتم القضاء عليه ..

وهاجت ثائرة المدينة من جميع الأطياف تطلب القضاء علي

الزعيم الهارب ولكن إعترض الكثيرون مكتفين بما قد صابه

من زوال سلطانه وتحوله لهارب شريد مطارد .. ودار جدال

عقيم تنوعت مآربه ولم تصل لإتفاق بشأنه ..

وحدث أن زارها إبنها المعاق ذهنياً في راحته الاسبوعية

والتقي بأمه التي رحبت به بشدة وإحتضنته بدفء وبعد

مرور فترة أخبرت العجوز إبنها أن هناك ضيف غريب

يوجد معها وجاءت به ليتعرف علي إبنها الذي لا ينطق

ولكن هي أخبرته أنه يسمعها ويفهمها ..

ودار حوار .. علي العشاء والثلاثة مجتمعون ..

سألت العجوز بطلنا .. لماذا أنت منشغل بكتابة هذه الأوراق

.. أهي مذكراتك ..؟

فنظر لها البطل بغرابة .. فمدت يدها لتتلقي كتابه فرفض

وإحتضن مذكراته بقوة ..

فنظرت له نظرة طويلة في عينيه التي كانت تهرب من

النظر اليها ..

فقالت له أري ما تخبئه عينيك .. فرد بريبة أتعرفين ماذا

أكتب ..

فلم تجبه لفترة ثم قالت له .. من أنت؟ ثم سكتت فإرتجف

بشدة لخوفه من سؤالها

ولم يرد فقالت له "الحياة قرار"

فغضب وتفاجأ لأن ما تقوله هو عنوان مذكراته ..

فطمأنته بأنها لا تعرف عن حقيقته شيئاً ..

ثم إنطلقت تحكي له ..

كنت أعمل في الماضي أنا و زوجي في صناعة بعض

الزخارف الخشبية قدر ما نستطيع وكانت تباع منها الكثير

وكنا نسكن في منزل كبير كان موجوداً بريف المدينة

بالقرب من هنا ..

وجاءت مرة إحدي السيدات تطلب صنع تميمة لزوجها حتي

يعود يحبها ولا يتزوج عليها .. فنصحتها بأن تراعي الله في

زوجها وأن ترحمه قدر إكرامه لها ..ففرحت جداً بكلامي

ولكن طلبت تميمة أو تعويذة خشبية و أصرت علي ذلك

وأغدقتني بمالها الوفير ونفوذها كسيدة من فئة النخبة ..

فوافقت علي شرط سرية الموضوع وإنتهاءه بمجرد حدوث

المُراد .. وأكدت عليها أن كل شئ يحدث في دنيانا بأمر من

الله و إذن منه ..

ورغم ذلك فوجئت بأن نصف السيدات الراقيات في مجتمع

المدينة تريد تمائم سحرية لأغراض مختلفة وكلهم معهم

أموال كثيرة فبدأنا أنا و زوجي في صنع هذه التمائم بشكل

جعلنا ننسي عملنا في صناعة الزخارف و إخترنا هذا الكوخ

الصغير الغريب الذي نعيش فيه الآن ليكون مكان عملنا

الجديد وهو كوخ به بعض الغرابة ويتوسط أحراش كثيرة

في زاوية لا يُعرف مسلكها إلا بدليل أو يكون قد زار المكان

سابقاً ..

ولكن بطلنا قد ساقته الصدفة وحدها إلي هذا المكان ...

وكان الناس يقولون عني عرّافة القَرن وحكيمة الزمان في

فترة وجيزة ودون أفعال حقيقية نصنعها فهي خلطة بسيطة

.. من .. حِكم و أمثال في أوراق داخل شكل صغير خشبي ثم

العطايا والهدايا ..

ولكننا من داخلنا كنا لا نشعر بالرضا أبداً ونريد التوقف

ولكن الناس لا يتركون لنا مجالاً ..

فسألها البطل .. وما الذي جعلك لا تشعرين بالرضا وأنت

دليل للناس في حياتهم وتجعليهم يبصرون مستقبلهم بل

ويستطيعون تغييره ليكون الأفضل ..

فقاطعته قائلة وأنت كنت دليل من في حياته ..؟ ومن

يستطيع أن يدلك أنت في حياتك..؟

فباغته السؤال ولم يرد فقالت له هو ذا .. صراع النفس

الإنسانية الذي لا ينتهي أبداً .. وهوما بدا في عينيك .. أنت

تائه .. و أنا لم أكن عرافة أو مبصرة ولا أملك الناس بالسحر

بل هي الناس التي توهمت ذلك وصنعت لها آلهة عبدتها

ترمي عليها ذنوبها وتريد الخلاص لترتكب المزيد من

الذنوب وهكذا هي الحياة عند الناس ليس لها بداية وليس

لها طريق وليس لها نهاية ..

و أتت الناس بالدليل علي أوهامها ونفخت فيها لحد التقديس ..

ولكن عندما ننام أنا و زوجي و إبني في الليل نري أنا و زوجي

فقط كابوس واحد لا يتغير .. و رغم أننا ننام في منزلنا

الكبير إلا أننا نري أنفسنا في الكوخ ثلاثتنا وعندما يحل

الليل تأتي الشياطين والوحوش تحاول دخول الكوخ ولكن لا

تستطيع فتظل تطرق بعنف شديد يهز أرجاء الكوخ طوال

الليل ولا يدخلون إلي أن يأتي النهار فيذهبوا بعيداً .. ثم

نفيق أنا و زوجي من كابوسنا في وقت واحد ونحن نحس

بالأرق إلا أننا لا نتحدث عن الكابوس أبداً بعد ما تحدثنا

مسبقا ولم نصل لنتيجة .. ثم نقوم لنمارس نفس أعمال

السحر ونحن نحس بأرق شديد ثم يأتي الليل مجدداً و يأتي

الكابوس نفسه إلي أن أتي يوماً ونحن الثلاثة في منزلنا

الكبير ..

نِمنا .. فرأينا كالعادة كابوسنا أنا و زوجي  .. ولكن بإختلاف

أن الشياطين هذه المرة إستطاعت الدخول فقمت فزعة بعد

أن أتي النهار فوجدتني في الكوخ ملطخة بالدماء ورأيت

زوجي مقتول وممثل بجثته ورأيت إبني مقطوع اللسان

ورغم أنني قد أنجبته عاقلاً راشداً وجدته معاق ذهنياً بالكاد

يتعرف علي بعض الأساسيات ..

وأحسست أنني قد صابتني لعنة أعمالي وأنني أصبحت من

فئة الشياطين والوحوش .. فأقسمت ألا أعود للعمل اللعين

كعرافة وهجرت المنزل الكبير تماماً وعشت في نفس الكوخ

الذي قتل فيه زوجي و حطت اللعنة علي إبني .. وبعد فترة

كنت أذهب للمدينة متخفية حتي لا يراني أحد فيعرفني

فأعود لهذا العمل اللعين ولكني إكتشفت أن ما صابني ليس

لعنة شياطين ووحوش بل هو من صنع أيدينا فقد عرفت من

إحدي السيدات الثرثارات أن العرافة  قد صنعت تميمة

لإحدي السيدات لم تفلح معها بل حل علي هذه السيدة

مرض غريب بعد أن صنعت تميمة لنفسها لتحقيق حلمها

بالإرتباط بشاب .. فماتت بعد معاناة و أراد أهلها الإنتقام من

الساحرة الشريرة التي تسببت في اللعنة التي أصابت إبنتهم

حتي ماتت .. فقاموا بقتل زوجها والتمثيل بجثته وقطع

لسان إبنها وتركها حيّة لتشاهد لعنتها ونقلوهم الي الكوخ

وحبسوهم هناك وحاولوا إحراق الكوخ و أنا بداخله ولكن

بعد فترة من مغادرتهم المكان إنطفئ الحريق  فأحسست

بأنها رسالة بأنها من الممكن أن تبدأ من جديد ولكن زوجها

مات وإبنها لا ينطق ومعاق ذهنياً ومع ذلك وجدت نفسي

متقبلة ماحدث وأنا أعرف  أنه شر عظيم مني و سحر قد

عوقبت عليه وها أنا أبدأ من جديد

وعرفت أن الله حي لا يموت ..

ثم بعد أن إستمع البطل لقصة العجوز وإبنها وهم يتناولون

العشاء ثم شربوا الشاي الساخن وذهبوا جميعاً للنوم ..

وتنتهي القصة بأنهم قاموا جميعاً في الصباح إلا البطل

الزعيم الحاكم قد مات متأثرا بالسم وهذه أخبار من المدينة

تم معرفتها بعد ذلك والجاني مجهول ووجدوه ملقي علي

أطراف المدينة ونظرة الي الكوخ تجد العجوز تفعل ما كانت

تفعله قبل أن يأتيها الحاكم الهارب والولد إبنها يستعد

للذهاب لمدرسته كالعادة ..

النهاية

تأليف ابراهيم نصر



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق