الاثنين، 14 سبتمبر 2015
قصة " جبر " .. تأليف / إبراهيم نصر
تبدأ القصة عند نهاية عمر ( جبر ) الذي عاش
إلي أن طعن في السن و كل حياته كانت بلا معني
لهو وعبث و غرائز و شهوات لم يتوقف لحظة
عند نفسه .. لم يحاسبها أو يطلب منها أو يلبي لها ..
روحه ونفسه هم من يقودون جسده الذي لم
يشتكي قط في كل لهوه و زندقته فهو يستمتع بكل
شئ دون أي وازع أخلاقي أو ديني .. لا يتوقف
عن إشباع رغباته إلا أن تنتهي من بين يديه أو
يتحول هو عنها ..
حتي جاءته سكرات الموت و لم يجد له رفيقا أو
صديقا و لم تكن له عائلة و كان وحيدا و أحس
بالرعب الشديد و مر عليه شريط ذكرياته سريعا
أمام عينيه رغم عمره الطويل .. و تمني أن يكون
له عمر آخر حتي يستطيع أن يفعل شيئا له قيمة
فهو أحس بتفاهة سنين عمره التي ضاعت سدي ..
و تمني أن يعود العمر به ليفعل شئ غير ما فعله
فهو وحيد و يصنع ما يفيد به نفسه أو غيره ..
و أراد العودة لفعل الخير و بناء عائلة و أن يصبح
رجلا محترم .. حتي يغفر الله له .. الله لم يتذكره
جبر إلا عند آخر سكرات الموت فطوال حياته لم
يلجا إلي الله و لم يفكر فيه أبدا و لم يراعي تعاليمه
و أوامره و كان يسير في حياته معتقدا أنه مجبر
علي أفعاله منذ الولادة حتي الممات .. حتي ما
يفعله بإختياره فهو مجبر عليه و لم يحاول مرة
واحدة أن يتأكد من صحة ما يعتقده أو أن يسأل
عن نفع أو ضرر أو حقوق و واجبات أو إيمان و
فروض .. و كان طوال حياته لاه عابث .. و
عندما كان يتضايق كان يحزن و ينقم
علي حياته
و يعاتب الله الذي خلقه عتاب يصل في بعض
مراحله إلي الإلحاد و الإنكار عن جدوي خلق
الإنسان طالما أنه يبحث عن السعادة ولا يلاقيها
إلا نادرا من وجهة نظر جبر الذي لم يعرف الصبر
أبدا ..
و لكن في لحظة الموت الحق وجد أنه يواجه
حقيقته وانه بعد موته سيلقي حساب من الله علي
ما أقترفه من ذنوب .. و أنه حتما سيلاقي العذاب
فهو لم يترك شيئا لا عمل صالح و لا صدقة جارية
ولا ولد صالح يدعو له فخاف خوفا
جبارا و
زاغت عيناه و اراد النهوض من علي سرير
مرض الموت .. أراد الهروب من الموت و
لكنه سقط مغشيا عليه .. و عندما أفاق أحس
بوجود شخص ما معه في الغرفة يبتسم له و هو
لم يكن يعرفه فسأله من أنت قال له أنا ( عزازيل ) ...
{ عزازيل .. هو " إبليس " و معني اللفظ هو
اليائس و من أسماؤه المتعددة الحارث و الحكم و
أبو مُرة .. و ف اللغة اليونانية يسمي "
ديابولوس "و تعني المشتكي زورا و ف اللغة
المصرية القديمة يسمي " ست " و ف المسيحية
يسمي " لو سيفر " .. و ف الديانة اليهودية أحد
أعضاء المحكمة الآلهية و يسمي " اليهوه " ..
و كلمة " الشيطان " تعني المقاوم و تأتي من فعل
" شطن " أي إبتعد عن الحق و يستطيع الشيطان
أن يتمثل في هيئة إنسان أو حيوان }
و بعد أن إنزعج جبر مما حدث و توهم أنه
عذرائيل الذي سيقبض روحه .. و لكن بعد فترة
بسيطة وجد جبر أن الشخص الذي يراه يبتسم له
و إستعاذ جبر بالله فوجد الإنسان إختفي ثم صمت
جبر فعاد الإنسان بعد برهة .. فقال جبر أستغفر
الله و توجه بالدعاء لله أن يمهله
قليلا ليعمل
صالحا كي يثبت في سؤال الله له و ليغفر الله له و
قال : أنا أذنبت و أخذ يعد ذنوبه و في خضم
إعترافاته ظهر له الشيطان في صورة إنسان
يبتسم ..و رأي جبر وجود فرصة للحديث معه
..
فسأله مرة أخري من انت ؟ فقال له الشيطان .. و
ما يهمك في إسمي ..ثم إستدرك قائلا أنا مندوب
الله إليك فسأله .. عذرائيل ؟ فقال له و ما أدراك
أن ملك الموت يأتي مبتسما .. لا هو يأتي تنفيذا
لأمر الله و لكنه لا يبتسم ولا ينزعج ..
فقال جبر .. و من أنت ؟ قال له مندوب السعادة
التي لم تحصل عليها مطلقا في حياتك و رغم كل
ما فعلته أنا من سيعطيك الفرصة مرة أخري لتكمل
حياتك كيفما تشاء ..
فأحس جبر بغرابة ما يقول و لكنه كان سعيدا جدا
بأن الله أرسل له من سيعطيه فرصة الحياة مرة
أخري مثلما أراد .. فقال جبر للشيطان ..فرحا ..
يالله الحمد لله فإنزعج الشيطان .. ثم قال جبر
سوف أعود مرة أخري لأفعل ما لم أفعله مطلقا ..
سأصلي و أذكر الله و أحج و أنشأ أسرة و أعيش
سعيدا في حياتي و آخرتي .. و حاول الشيطان أن
يقاطعه بكلمات غير مفهومة و إستمر الإثنان في
الحديث كل عن رغباته و لا يسمع الآخر ..
إلي أن سمع جبر الشيطان يقول له ..
سأعقد معك إتفاقا بمقتضاه سأعطيك 25 سنة
أخري مقابل أن تمنحني روحك بإرادتك و لا تعود
لخالقها أبدا و هو الله .. فرفض جبر بشدة حتي لا
يرتكب معصية أخري أو ذنب في آخر أنفاس حياته
و إختفي الشيطان بعد إستعاذة جبر و إحساسه أن
المندوب ليس ملاك من عند الله ..و بعدها ذهبت
أنفاس جبر و لم تأتي و أحس أنها الزفرة الأخيرة
ثم غاب عن الوعي ثم عاد و إستمر هذا الحال
مرات إلي أن تمني جبر أن يرتاح من معاناته
من الألم إما بالموت أو بعقد الإتفاق لكنه لم يمت و
لم يرتاح فيأس جبر و أحس أنه في إحتياج إلي
إتفاق الشيطان .. و ساعتها ظهر له الشيطان و
معه أوراق عقد الإتفاق ليمضي عليها جبر
وبالفعل يوقع جبر و هو في مرحلة اللاوعي ثم
شهق بأنفاسه شهقة شديدة و غاب عن الوعي و
أخذ يضحك الشيطان ..
و يتغير الحال فجأة أمام جبر ليجد نفسه شابا يافعا
في ثلاثينات العمر و لكنها حياته مع إختلاف ..
كان يائس اصبح لديه أمل في الحياة .. كان يعامل
الناس بصلف و غرور و تعالي ناتج عن تمرده
علي حياته .. فوجد نفسه يعاملهم جيدا و يعاملوه
جيدا و وجد نفسه يصلي و هو كان غير ذلك و
وجد نفسه صبورا و هوعكس ذلك ..
و خلاصة القول كان يائسا من رحمة الله أصبح
متفائلا بإذن الله و رضاه .. لكنه كان بين الحين
والآخر يحس بمغص شديد جدا في بطنه يجعل
يتلوي يمينا و يسارا .. ثم سرعان ما ينتهي ..
و وجد جبر نفسه يخرج من الجامع بعد الصلاة و
يذهب لبيته و يتحدث والده معه عن رغبته في أن
يتزوج بنت صاحبه و إسمها "
تقي عبد اللطيف
" و وجد جبر نفسه يوافق بفرحة رغم صعوبة
الظروف لأن والده وعده بالمساعدة و طلب منه
الصبر والمثابرة في العمل و الإجتهاد لبناء أسرة ..
و في وقت أقل من المتفق عليه حدث الزوراج بين
جبر وتقي و كان جبر سعيدا جدا و لكن تقي كانت
خائفة منه و تقول له أن الناس يقولون عنه أنه لا
يصلح أن يكون زوجا .. فأخبرها عن حماسه
الشديد للإستقرار وبناء أسرة محترمة .. و أيد
ذلك تصرفاته .. فهو رجل في بيته يتقي الله فيه
ويراعيه خير مراعاة و يعامل زوجته معاملة
حسنة و يرفع عنها المسئولية ليتلقاها هو سعيدا
رغم ضيق ذات اليد بعض الشئ ..و يحس جبر
وتقي أنهما في سعادة كان جبر يواظب علي
الصلاة و الدعاء و كان يحس ببركة الله في رزقه
القليل و يحمده عليه و تمر الأيام و تحمل تقي و
يفرح جبر و بعد فترة من حياة بسيطة سعيدة
أصبحت الأسرة عائلة كبيرة فأصبح لجبر وتقي
ولد وبنت و إتسع رزق جبر مع كل ولادة و أصبح
يشعر بسعادة غامرة لم يستطع أن يوصفها إلا
بحمد الله و زيادة عبادته و إحساسه بأنه كلما إتقي
الله كلما بارك له في رزقه ..
و تمر الأيام سريعا علي هذا الحال و أصبح الولد
و البنت لديهم 25 عام ..
و بدأ يحس جبر بشئ غريب يراوده في أحلامه و
كأنه في مرحلة كبر السن و ظل يراوده هذا
الإحساس الغريب و كأنما شئ يناديه و يخاطبه
بأنه أقتربت لحظة الوفاء بالعهد ..
و كان في هذه الآونة يستعد جبر و تقي لزفاف
إبنهم و إبنتهم في نفس السنة و كان جبر وتقي
يتمتعان بصحة جيدة .. إلا أنه أتي يوم جاء فيه
الشيطان في صورة إنسان و طرق الباب و فتح
جبر و أحس أنه يعرفه ثم أدخله و تحدث معه علي
إنفراد و طالبه الشيطان بالوفاء بالعهد ..
فأستغرب جبر كلام هذا الرجل الذي لايعرفه و لكنه
يحس أنه رآه قبل ذلك منذ زمن ..
و لكن الشيطان لم يصرح ببنود العقد و الإتفاق ثم
ذهب الشيطان علي أن يعود مرة أخري و لكن
قريبا جدا و مر يومان و عاد الشيطان وكرر طلبه
علي جبر ثم أوضح له الحقيقة كاملة فأنزعج بشدة
جبر مما سمعه و لم يصدق او تظاهر بعدم
التصديق و طرده من منزله فتوعده الشيطان و
كأن له دين كبير عنده ثم ذهب الشيطان و أحس
جبر بالخوف و استغفر الله و استعاذ به من
الشيطان الرجيم و أحس جبر لأن خلاصه
سيكون بالتوجه إلي الله ..
و أراد أن يصلي و لكن حدث شئ غريب وجد جبر
نفسه لا يستطيع أن يؤدي الصلاة بشكل سليم و
كأنه لا يعرف تعاليمها و كرر محاولاته و باءت
بالفشل ثم حاول قراءة القرآن فلم يستطع فأحس
بالخوف الشديد و أجهش بالبكاء و بسرعة لم
يستطيع السيطرة علي نفسه فعاد كصورته الأولي ..
محبط .. يائس .. و زاد الطين بلة ظهور علامات
غريبة علي زوجته التي أصبحت لا تسمع له كلمة
وتؤذيه في رجولته و مشاعره و لم يفهم جبر سر
هذا التغير بهذه الطريقة ثم زاد
علي ذلك مرض
أبنته مرض معدي خطير لا رجاء بالشفاء منه و
فراق خطيبها عنها ثم مرض أخوها أيضا فإزداد
حنق الزوجة علي زوجها لإحساسها أنه لم يراعي
الله فيها حق تقاته لذلك كان جبر السبب في
إلحاق
الضرر به و اولاده و ضاق جبر بما يحدث و لم
يعلم ماذا يفعل إلي أن طرأت عليه فكرة غريبة بعد
أن حاول طرد الشيطان بالحجاب و التمائم و لكن
لم تنجح هذه المحاولات و قال جبر أنها من صنع
الشيطان فكيف بالله تطرده ..
ثم جاءته الفكرة الغريبة ومفادها ..
{ الشيطان ملاك سابق في رحاب الله إعترض علي
السجود لآدم لأنه من طين و الشيطان من نار
أفضل من الطين و طرده الله من الجنة و تحدي
الشيطان إرادة الله و قال أنه سيغوي بني البشر
كلهم حتي يدخلوا النار إلا العباد المخلصين
و لب فكرة جبر تتلخص في أن الشيطان أحد
ملائكة الله و لكنه ليس الأقوي علي الأرض و لا
الأقرب إلي الله و توجد ملائكة أخري منها ..
ملك الحب .. و يسمي " كيوبيد "
ملك الجمال .. و يسمي " أفروديت "
و هم يستطيعون هزيمة الشيطان
و ملائكة أخري .. مثل
أبوللو .. الفنون آثينا ..
الحكمة
آريس .. الحرب و الإنتقام
بوسيدون .. البحر
هيدز .. العالم السفلي
هيرميس .. السفر و هو رسول من الإله
هينميستوس .. النار
زيوس .. ملك الألهة
و عند الفراعنة ...........
رع .. ملك الألهة
ست .. الشر
آمون .. كبير الألهة
و عند الأغريق أو المصريين القدماء آلهة الحب و
الخير والجمال و النماء هي الغالبة و هي الأقوي
و هي التي تحتل المكانة العظمي ..
و أما آلهة الشر و الحرب و الإنتقام هي الأقل
مكانة و لكن ذلك كله لا يحدث إلا في رحاب الله أما
علي الأرض فالعكس هو ما يحدث .. الشر و
الحرب و الإنتقام هو الغالب علي البشر .. }
و عودة إلي جبر مر في ذهنه أنه يدعو الله أن
يساعده علي هزيمة الشيطان دون أن يعطيه
روحه ..
و ظل يدعو الله كثيرا و يصلي و يصوم حتي أرهق
من شدة تفانيه في العبادة و غلبه النعاس و نام
ورأي في منامه ..
أن المحكمة الآلهية إنعقدت لمحاكمة الشيطان و
أن آلهة الحب و الخير و الجمال و النماء يسألون
الله عز وجل فيما حدث و يقولون ..
لماذا الشر هو السائد في دنيا البشر
لماذا استطاع الشيطان النفاذ للإنسان ليوسوس له
لماذا البشر ضعفاء أمام الرغبات والشهوات
و يغضب الله ..
و يتحدث جبر في نفسه داخل الحلم و يقول لماذا
لا تقوم الآلهة الطيبة بثورة علي الشر الكامن في
ملائكة الشيطان و أحس جبر أنه يريد أن يدخل
إلي رحاب الألهة و يشتكي قصته .. لكنه لم
يسمعه أحد و وجدهم يتحدثون عنه مع بعضهم
البعض و أمام الله ..
طلبت الآلهة من الله ان يراجع حكمه القاسي علي
البشر و يأمرالله بأن يعملوا بالشكل الذي يجعل
الحب و السعادة و الخير فوق الشر و الحرب و
الإنتقام ليسود العدل علي الظلم .. و ينطق الله في
تجليه عليهم آيات قرآنية تؤكد حكمته في خلق
البشر علي الأرض .. و بعد كلام الله وجد جبر
نفسه في وضعه الأول علي سرير مرض الموت
بعد حياته الأولي اللاهية العابثة و أن كل ما رآه
غيبوبة إلي أن يحزن و يموت و لكن قبل أن يموت
نطق بشهادتي الوحدانية و التسليم برسول الله و
قالها جبر عن يقين ..
فيري في النهاية أن الله قد غفر له ما تقدم من
ذنبه و ادخله الجنة برحمته ....
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق