مدينة
صغيرة نائية تتعرض لوابل من جرائم السرقات
والقتل
من قبل عصابات صغيرة متنوعة متناحرة ..
تحت
سمع وبصر .. حاكم نائم في الملذات ..
و
شرطة أغلب أفرادها فاسدين ..
و
جيش منظم من نواب برلمان و قضاة
و
موظفون لحماية نظام الحاكم و حماية عرشه ..
وإحكام
سيطرتهم علي كل مقدرات المدينة
و
نِتاج هذا كله فساد مستشري في مجتمع هذه المدينة ..
و
إستقواء الفاسدين بالقانون علي حساب الشرفاء
و
تم إهدار جميع حقوقهم
و
إن أراد أحد المواطنين الشرفاء محاولة مواجهة هذا التيار
أو
تعطيل مسيرة هذه المنظومة الفاسدة ..
يتم
هلاكه و الإنتقام منه أشد إنتقام
حتي
لا يجرؤ غيره علي مواجهتهم ..
وقد
يطول العقاب أهله وماله أو تصفيته جسدياً عقاباً له ..
ويسيطر
هذا الواقع الأليم علي فِكر و خيال أحد الضباط
الشرفاء
وهو شاب حديث التخرج .. " صفوت
"
تعلم
أصول و قواعد حفظ الأمن في أكاديمية الشرطة
علي
مستوي علمي حديث ..
و
هو مؤمن بوطنه و مهموم بقضاياه
و
صادق في حرصه علي أمنها
و
لكن الواقع يستحيل السيطرة عليه ..
وهو
مثقف .. متطلع .. طموح متفوق
و
يتمتع بذكاء شديد و دائماً يبحث في تطوير مهنته
للأفضل
ويحلم بأنه وزير داخلية المستقبل ..
وطرأت
له فكرة أن يدخل عالم العصابات
بنفسه
لفترة معينة ليكتشف أسرار هذا العالم
ليستطيع
القضاء عليه تماماً ..
مما
يفيده في الحصول علي قضايا كبري
و
ترقية في العمل .. ليحقق حلمه ..
و
لكن لم يكلفُه أحد بمثل هذه المهمة
و
لكنه بدافع وطنيته الشديدة
و
حرصه علي مستقبل أفضل لأولاده
بلا
إجرام و لا فساد ..
فأضطر
إلي إيهام الجميع بأنه سوف يقوم
بتكملة
دراساته الأكاديمية للحصول علي دكتوراة ..
مما
يعطيه الوقت والفرصة ليقوم بمهمته الإنتحارية
علي
حد وصفه ..
فقام
بزرع نفسه متخفياً داخل إحدي عصابات المخدرات
و
أوهمهم بأنه تاجر مخدرات يحمل نوع جديد من المخدرات
و
يريد من رجال هذه العصابة أن تساعده في دخول
المخدرات
لهذه المدينة لأن النوع الجديد مكاسبه
خرافية
و مضمونة و لكن مخاطره هائلة
لأن
رجال الشرطة لن تسمح بدخول هذه الأنواع
و
أيضاً لأن العصابات الأخري
لن
تقبل بسهولة منافستها في كارها ..
و
سريعاً علم رجال العصابات الأخري بأمر التاجر الجديد
و
بدأوا في جمع المعلومات المتاحة عن شخصيته
و
أفراد عصابته و عن النوع الجديد من المخدرات ..
لكن
بطلنا "صفوت " قوي الفراسة فكان يهرب
من
إعطاء معلومات مفيدة للغير
مما
يساعده علي كسب ثقة العصابات الأخري
ليقترب
منهم ويتعاون معهم ..
وحدث
ما خطط له الضابط .. وطلبه زعيم أكبر العصابات
ليلتقي
به و يعرفه عن قرب و يكتشف من هو ..
تاجر
مخدرات أم عميل للشرطة أم ماذا ..؟
و
ذلك لخبرة و معرفة و دراية زعيم العصابة
بكل
رجال العصابات الأخري
و
بكل أفراد الشرطة الموجودة في المدينة ..
ولكن
مقابلة واحدة من الزعيم مع بطلنا لا تكفي
لأن
بطلنا يتمتع بالذكاء و الفطنة و حسن التصرف
و
لكنه لفت نظر الزعيم بإمكانياته العقلية والجسدية ..
و
ثقافته و عِلمه ..
و
توالت المقابلات و العمليات الصغيرة
بين
زعيم العصابة و بطلنا الضابط
الذي
كان ينتظر الحصول أكثر علي ثقة الزعيم
ليستطيع
الحصول علي معلومات تفيده
في
توجيه ضربة قاضية لهذا العالم الإجرامي ..
ولكن
الوقت سرقه فقد مر عامان
و
لم يحصل الضابط علي ما يريد فأحس بأنه يغرق ..
و
خلال ذلك كان الضابط المتخفي يثبت كفاءته لدي الزعيم
كتاجر
مخدرات يوّرد البضاعة من الخارج
و
يهرب من كمائن الشرطة المسلحة
و
يتبادل معهم إطلاق النار و المطاردات
و
كان بطلنا علي عِلم بكل ما يدور في كواليس
الشرطة
و خططهم و طرق تنفيذها
فيسهل
عليه الهروب من ذلك
و
لكن في إحدي المطاردات يضطر بطلنا
إلي
قتل أحد ضباط الشرطة الذين يقومون بمهامهم
بعد
مطاردة مثيرة من ضابط كان زميل له في الاكاديمية
وكان
يؤدي دوره و واجبه ..
و
لكن بطلنا كان يدافع عن نفسه
فأرداه
قتيلاً و ظل يبكي عليه ..
و
هنا حدثت وقفة لبطلنا مع نفسه ..
فقال
ماذا فعلت ؟ و لماذا قتلت ؟ ..
هل
أنا تاجر مخدرات أم ظابط كفء ..
هل
أستطيع الفصل بينهما
و
هل أنا قادر علي النجاح في ذلك ؟ ..
هل
طموحي أقوي من وطنيتي ؟..
هل
أنا وزير داخلية المستقبل ؟
أم
أنا زعيم أكبر عصابة مخدرات في المستقبل ؟ ..
و
أثناء ذلك يتعرف البطل علي عشيقة زعيم العصابة
بعد
أن أصبح هو الذراع اليمني للزعيم و المقرب منه دائماً
..
فحدث تقارب بين البطل والعشيقة ..
فوجدها
البطل إنسانة متمردة غجرية
تكره
حب الإمتلاك قوية لا تنكسر بسهولة ..
جميلة
.. جذابة ..
و
أما الزعيم فهو رجل سكير طاعن علي سن الزواج
ينام
مبكراً يميل للعنف و الوحشية ..
و
كان التقارب بين البطل و عشيقة الزعيم
لقُرب
أعمارهم من بعضهم
كما
أنها وجدت في بطلنا الشاب خلاصها
من
العشيق العجوز الذي تتحمله فقط لثراءه الفاحش
و
الحياة المرفهة التي تعيشها ..
و
رأي فيها بطلنا الضابط
طريق
له لمعرفة كل شئ يحدث في كواليس زعيم العصابة
ليستطيع
جمع الكثير من معلومات عن الزعيم
تفيد
الضابط في خلاصه من هذا العالم
و
تحقيق طموحه الشرعي في الحصول علي قضية
كبري
تفيده في ترقيات ليصبح وزير الداخلية ..
وتعددت
مقابلات البطل والعشيقة في أماكن مختلفة
و
أوقات مختلفة .. وكان يستدرجها في الحديث
لمعرفة
كل شئ و قد واتته فكرة عبقرية
من
مشهد بسيط لعشيقته تنفخ في بالون
الي
أن يفرقع .. فيقول وجدتها ..
انا
أريد القضاء علي الزعيم
فيجب
أن أنفخ في مكانه و مكانته ليكبر الزعيم كثيراً
و
كلما كبر كلما وجب القضاء عليه ..
فإقترح
البطل علي الزعيم
ضم
كثير من العصابات الصغيرة إلي عصابته
لتصبح
أكبر عصابة في المدينة
و
إقترح عليه إتساع النشاط بدرجة كبيرة
بإضافة
بعض الأعمال المشروعة بجانب النشاط الأساسي ..
وكان
بطلنا يقصد أن يكبر الزعيم كثيراً و يكبر معه أعداءه
سواء
من الشرطة أو العصابات الأخري ..
ويصبح
مثل البالون المنفوخ يسهل تدميره ..
إلا
أن الزعيم بعد تفكيره لفترة قصيرة ..
رفض
في البداية
إلا
أن محاولات بطلنا في إقناع الزعيم نجحت
بعد
عرض البطل علي الزعيم شكل تطوير العصابة
وتجديدها
بضم عناصر مميزة من عصابات أخري ..
وأقنعه
بدخول عالم الشهرة و الأضواء
من
خلال أعمال خيرية
يتم
غسل أموال العصابة القذرة فيها
مع
بروباجندا إعلامية مأجورة
تعمل
علي تمجيد رجال الأعمال الشرفاء الوطنيين
الذين
يقومون بأعمال خيرية لصالح وجه الله ..
وقد
حدث ..إستفاد زعيم العصابة ( رجل الاعمال الوطني )
من
الوضع الجديد لعصابته مما أثار حقد و غيرة
و
كراهية رجال و زعماء العصابات الأخري ..
و
لم تستطيع مواكبة التطوير و التجديد الذي حدث
مما
جعلها تشن حرب إعلامية و نفسية و مسلحة أيضاً ..
علي
كل مصالح الزعيم وعلي الزعيم نفسه
و
لكنه كان ينجو مما يدبُر له كل مرة ...
و
وجدت العشيقة فرصة كبيرة لها هي و حبيبها
بطلنا
الضابط .. الذي جمعتهم علاقة حب ملتهبة ..
في
الخلاص من الزعيم العجوز .. ليخلو الجو لهما ..
فرفض
البطل الموافقة علي الخلاص من الزعيم
لأنه
بمثابة الأب الروحي له في عالم الإجرام
....
ولأن
العشيقة أنثي ساحرة لا تقاوم
و
تعلم أدواتها جيداً و تجيد إستغلالها ..
فبدأت
في مراوغة بطلنا فمرة معه
و
مرات تجعله يغير بتوددها لغيره أو بنسيانه
و
تجاهل إتصالاته أو بالتمثيل عليه أنها سعيدة مع الزعيم ..
وقد
أتت محاولاتها بأثر في نفس البطل
الذي
أيقن أنه قد تغيرت ملامح كثيرة فيه
فلم
يصبح بطل الشرطة الطموح
ولكنه
أحس بأنه يحب عشيقة تستخدم جسمها الناضر
في
مساومته علي أن يفعل شيئا هو يرغبه في داخله
الخلاص
من الزعيم بدافع تطهير المدينة
و
لكنه لا يريد أن يقتله ..
و
ظل يتردد إلي أن رضخ لرغبات العشيقة
في
الخلاص من الزعيم ليتزوجا ..
فقام
البطل بتدبير عملية إغتيال منظمة
بعد
تسريب معلومات لأعداء الزعيم عن تحركاته
مما
سهل عملية قتله التي وصفت إعلامياً
بالحادث
المروع الذي أودي بحياة رجل الاعمال
الوطني
(زعيم العصابة ) ..
و
إستولي بطلنا علي قلب و جسد عشيقته
و
علي كرسي الزعامة و أصبح الزعيم الجديد للعصابة
و
رجل الأعمال الوطني القادم ..
ولأن
بطلنا ذكي .. سرعان ما إتسع نشاط العصابة
و
ضم أفراد جدد و زيادة المركز المالي للعصابة
و
كثرة إفتتاح مشاريع وطنية عظيمة
علي
حد وصف الإعلام .. مثل المولات و السينمات
و
المطاعم و المسارح و المستشفيات و المصانع ..
وكأنه
قد تناسي انه كلما كبر أكثر كلما ازداد أعداؤه
وإزدادت
المكائد التي تنصب له للإيقاع به ..
فكان
يخوض معارك طاحنة شرسة في تجارته الأصلية
من
قِبل العصابات الأخري .. ومشاكل كبيرة في أعماله
المشروعة
من تهرب ضريبي .. الخ
وكان
قد أثار بطلنا (زعيم العصابة الجديد) حفيظة
حاكم
المدينة فأمر بمحاصرته و التضييق عليه
حتي
لا يكسب مالاً آخر أو تزداد شعبيته بين العامة
المستفيدين
من مشاريعه المشروعة ..
و
التي قد يستفيد بهما في أي إنتخابات قادمة
..
فيفقد الحاكم سيطرته علي المدينة و يفقد عرشه ..
و
أمام هذا كله أراد بطلنا أن يعزز مكانته
في
مواجهة الحرب التي يشنها الحاكم عليه
بحصوله
علي حصانة قانونية
بأن
يكون عضواً في مجلس المدينة
مستغلاً
شعبيته الجماهيرية
و
كان الحاكم يستخدم جميع الوسائل المتاحة له
لمحاربة
بطلنا في مصالحه مما جعل بطلنا
يستخدم
شعبيته في حشد الجماهير المقتنعة به
في
وقفات إحتجاجية – إضرابات و إعتصامات - ..
و
قام بتدشين حملة صحفية مأجورة للدفاع عنه
و
عن مصالحه المنتشرة في المدينة و عن أعماله الخيرية ..
و
أعطت الصحافة الحاكم دروساً
في
كيفية ممارسة الحقوق السياسية
و
الحفاظ علي حقوق الآخرين ..
مما
ساعد علي إنضمام الآلاف من العامة
إلي
دعوة بطلنا الزعيم
و
قام الحاكم بغباء بمحاولة وأد الثورة قبل أن تشتعل
مما
أدي بها إلي أن تكون ثورة حقيقية ..
ضاع
فيها الكثير من الضحايا فإنتفض شعب المدينة ..
وأختاروا
بطلنا حاكماً جديداً للمدينة
بعد
تنحية الحاكم السابق
فوصل
بطلنا الي الحُكم علي جثث شرفاء آمنوا به
و
ضحّوا بالغالي والنفيس
من
أجل وصول بطلنا ( زعيم العصابة )
و
هو في نفس الوقت رجل الاعمال الخيرية
الذي
رأي فيه الشعب خلاصهم من الفساد و الرشوة
و
القتل ليخلق لأولادهم مستقبلاً أفضل ..
وبعد
وصول بطلنا للحكم أراد أن يقف فيها مع نفسه
ليحاسبها
مرة أخري بعد أن يمر شريط حياته أمامه ..
و
أراد أن يعتزل عالم العصابات و المخدرات
و
يباشر إصلاح بلاده ..
و
لكن شركاؤه و أتباعه و المستفيدين من هذا العالم
لن
يتركوه يغادره بسهولة ..
فأخذ
يفكر ويفكر في كيفية هروبه إلي ما يريد
و
لكنه لم يصل لشئ ..
و
أيضاً خصومه و منافسيه لم ينتظروا كثيراً عليه
و
قاموا بشن حرب سياسية و قانونية و إعلامية ضده ..
وأدخلوه
و أدخلوا البلاد في متاهات فوضي و إرهاب
و
إنعدام أمن إستغلالاً لظروف ثورة
و
قاموا برشوة بعض ضباط الشرطة لمساعدتهم
علي
تحقيق سيناريو الفوضي المخطط له
من
قِبل خصوم الحاكم الجديد
الذين
يرغبون في ضرب مصالح الحاكم
و
ممتلكاته و أعماله كلها لتفشل ويفشل هو معها ..
وحاول
الزعيم أن يتصرف سريعاً لمواجهة ما يقابله
إلا
أن تصرفاته يشوبها الحيرة والتردد
قبل
إتخاذ أي قرار مما ينتج عنه كوارث
من
الحرق و القتل و السرقة
و
وضعته تصرفاته سريعاً في مصاف الديكتاتوريين ..
وفي
خِضّم هذه الأحداث توالت الضغوط علي البطل
بعد
إكتشافه أن حبيبته وعشيقته
الذي
فعل ذلك من أجلها حملت منه جنيناً
ثم
أسقطته لإدمانها المخدرات وإنشغاله عنها
بأمور
الحكم و زعامة العصابة ..
ثم
إكتشف خيانتها له مع أحد أفراد بطانته ..
فجن
جنونه و أتي به إلي غرفتها
و
قتله أمامها بوحشية ..
وتوسلت
إليه أن يتركها تعيش
و
إستغلت سحرها في إقناعه
لكن
بداخلها خوف كبير من أن يقتلها ..
وبداخلها
أيضاً إمرأة شرهة و شهوانية
و
غرائزها لا تنتهي و هي لا تشبع من الملذات ..
وتأثراً
بما حدث أراد بطلنا وضع نهاية لمعاناته
فواجه
نفسه بنفسه .. وكانت مواجهة صعبة
بين
زعيم العصابة و رجل الشرطة الشريف ..
و
إنتهي إلي إدانة الإثنين و أحس بالندم الشديد
و
إختار أن يعاقب نفسه بالنفي في مكان لا يعلمه أحد
و
صارح حبيبته و عشيقته برغبته تلك
فرفضت
في البداية ولكن خافت أن يقتلها ..
فوافقت
علي أن ترافقه في منفاه ..
وفي
بالها أن ذلك لن يدوم إلا فترة قصيرة
يعود
بعدها الزعيم إلي رشُده
و
يعود لعرشه الذي خَلا بعد هروبه
إلي
منفاه دون علم أحد
و
أصبحت المدينة بلا حاكم
و
تحت وطأة فوضي و إرهاب ..
ولكن
تبددت آمالها بعد فترة
لم
تطيق أن تعيش بعيداً عن الأضواء و الشهرة
و
الإحساس بالتميز و الإنفراد
و
التمتع بالسلطة و جبروتها ..
و
تعيش أنثي عادية في حياة بسيطة جداً ..
وهي
لم تكن كذلك ولن تكون
فهربت
من بطلنا و تركته وحيداً حزيناً كئيباً
لأن
حبيبته فارقته دون أن تودعه و خانته
..
وخاف من أن تُبلغ عن مكانه
فهرب
بعيداً علي حالته و ظل يسير و يسير
بين
أحراش علي طرف المدينة
إلي
أن أحس بأنه قد تاه
و
لن يُعرف طريقاً له بعد ذلك
فأحس
أنها النهاية ولكن بعد قليل من سيره
وجد
كوخاً صغيراً و وجد أمامه إمرأة عجوز
لا
تقوي علي حمل الحطب
و
لا علي قطع بعض الأشجار ...
ولديها
حظيرة تُربي فيها دواجن و طيور و بعض الماشية ...
فلجأ
اليها سريعاً راجياً منها أن تخبئه
و
أعطاها كل ما معه من مدخرات
لتتركه
يعيش أيامه الأخيرة في أمان
و
توافق العجوز علي إستضافته
و
لكن هي حذرة و خائفة ..
و
لكن وافقت ليساعدها بماله و عطاياه
و
بجهده إن أمكن ..
و
بدأت في التعرف عليه و بدأ هو في التعرف عليها ..
و
عن نفسه أخبرها قصة كاذبة لهروبه و لجوءه اليها ..
و
تحدثت هي أنها تسكن من زمن بعيد في هذا المكان
و
هي تعيش علي قطع الأشجار وبيع أخشابها
و
كان زوجها يساعدها ولكنه توفي
وهي
لها إبن معاق ذهنياً يدرس
في
مدرسة لمثل حالته
و
يتواجد معها في الراحة الاسبوعية
ليساعدها
في قطع أكبر عدد من الأشجار ..
ولكنه
الآن غير موجود
وبعد
أيام قليلة لاحظت العجوز أن بطلنا
قليل
الكلام كثير الشرود حزين الملامح
و
لكن عندما تطلب مساعدته تجده علي الفور يلبي طلبها ..
وكان
مشغول جداً بكتابة مذكراته
و
الذي قصد منها إعطاء دروس في الحياة
لكل
إنسان بات يحلم أحلاماً جميلة
و
لكن لم يصل إليها
لأن
الحياة لا تعطي كل ما نتمني
و
قد تمنح فضلها لبعض الناس وليس كلهم ..
و
لكن قد أخبر عشيقته بنيته في كتابة مذكراته
و
هي المعلومة التي إستفادت منها العشيقة
في
كسب الكثير خصوصاً بعد الإبلاغ عن مكانه
ليتم
القضاء عليه ..
وهاجت
ثائرة المدينة من جميع الأطياف
تطلب
القضاء علي الزعيم الهارب
و
لكن إعترض الكثيرون مكتفين بما قد صابه
من
زوال سلطانه وتحوله لهارب شريد مطارد ..
و
دار جدال عقيم تنوعت مآربه ولم تصل لإتفاق بشأنه ..
و
حدث أن زارها إبنها المعاق ذهنياً في راحته الاسبوعية
و
التقي بأمه التي رحبت به بشدة و إحتضنته بدفء
و
بعد مرور فترة أخبرت العجوز إبنها
أن
هناك ضيف غريب يوجد معها
و
جاءت به ليتعرف علي إبنها الذي لا ينطق
ولكن
هي أخبرته أنه يسمعها و يفهمها ..
ودار
حوار .. علي العشاء والثلاثة مجتمعون ..
سألت
العجوز بطلنا ..
لماذا
أنت منشغل بكتابة هذه الأوراق
..
أهي مذكراتك ..؟
فنظر
لها البطل بغرابة ..
فمدت
يدها لتتلقي كتابه فرفض
وإحتضن
مذكراته بقوة ..
فنظرت
له نظرة طويلة في عينيه
التي
كانت تهرب من النظر اليها ..
فقالت
له أري ما تخبئه عينيك ..
فرد
بريبة أتعرفين ماذا أكتب ..
فلم
تجبه لفترة ثم قالت له .. من أنت؟
ثم
سكتت فإرتجف بشدة لخوفه من سؤالها
ولم
يرد فقالت له "الحياة قرار"
فغضب
وتفاجأ لأن ما تقوله هو عنوان مذكراته ..
فطمأنته
بأنها لا تعرف عن حقيقته شيئاً ..
ثم
إنطلقت تحكي له ..
كنت
أعمل في الماضي أنا و زوجي
في
صناعة بعض الزخارف الخشبية قدر ما نستطيع
و
كانت تباع منها الكثير
و
كنا نسكن في منزل كبير
كان
موجوداً بريف المدينة بالقرب من هنا ..
وجاءت
مرة إحدي السيدات
تطلب
صنع تميمة لزوجها حتي يعود يحبها
ولا
يتزوج عليها ..
فنصحتها
بأن تراعي الله في زوجها
و
أن ترحمه قدر إكرامه لها ..
ففرحت
جداً بكلامي
و
لكن طلبت تميمة أو تعويذة خشبية
و
أصرت علي ذلك و أغدقتني بمالها الوفير
و
نفوذها كسيدة من فئة النخبة ..
فوافقت
علي شرط سرية الموضوع
و
إنتهاءه بمجرد حدوث المُراد ..
و
أكدت عليها أن كل شئ يحدث في دنيانا
بأمر
من الله و إذن منه ..
ورغم
ذلك فوجئت
بأن
نصف السيدات الراقيات في مجتمع المدينة
تريد
تمائم سحرية لأغراض مختلفة
و
كلهم معهم أموال كثيرة
فبدأنا
أنا و زوجي في صنع هذه التمائم
بشكل
جعلنا ننسي عملنا في صناعة الزخارف
و
إخترنا هذا الكوخ الصغير الغريب
الذي
نعيش فيه الآن ليكون مكان عملنا الجديد
و
هو كوخ به بعض الغرابة
و
يتوسط أحراش كثيرة
في
زاوية لا يُعرف مسلكها إلا بدليل
أو
يكون قد زار المكان سابقاً ..
ولكن
بطلنا قد ساقته الصدفة وحدها إلي هذا المكان ...
وكان
الناس يقولون عني
عرّافة
القَرن و حكيمة الزمان في فترة وجيزة
و
دون أفعال حقيقية نصنعها
فهي
خلطة بسيطة .. من .. حِكم و أمثال
في
أوراق داخل شكل صغير خشبي
ثم
العطايا والهدايا ..
و
لكننا من داخلنا كنا لا نشعر بالرضا أبداً
و
نريد التوقف و لكن الناس لا يتركون لنا مجالاً ..
فسألها
البطل ..
و
ما الذي جعلك لا تشعرين بالرضا
و
أنت دليل للناس في حياتهم
و
تجعليهم يبصرون مستقبلهم
بل
و يستطيعون تغييره ليكون الأفضل ..
فقاطعته
قائلة وأنت كنت دليل من في حياته ..؟
و
من يستطيع أن يدلك أنت في حياتك..؟
فباغته
السؤال ولم يرد
فقالت
له هو ذا ..
صراع
النفس الإنسانية الذي لا ينتهي أبداً ..
و
هو ما بدا في عينيك .. أنت تائه ..
و
أنا لم أكن عرافة أو مبصرة
ولا
أملك الناس بالسحر
بل
هي الناس التي توهمت ذلك
و
صنعت لها آلهة عبدتها ترمي عليها ذنوبها
وتريد
الخلاص لترتكب المزيد من الذنوب
وهكذا
هي الحياة عند الناس
ليس
لها بداية وليس لها طريق وليس لها نهاية ..
و
أتت الناس بالدليل علي أوهامها
و
نفخت فيها لحد التقديس ..
ولكن
عندما ننام أنا و زوجي و إبني في الليل
نري
أنا و زوجي فقط كابوس واحد لا يتغير ..
و
رغم أننا ننام في منزلنا الكبير
إلا
أننا نري أنفسنا في الكوخ ثلاثتنا
و
عندما يحل الليل تأتي الشياطين والوحوش
تحاول
دخول الكوخ ولكن لا تستطيع
فتظل
تطرق بعنف شديد يهز أرجاء الكوخ
طوال
الليل ولا يدخلون إلي أن يأتي النهار فيذهبوا بعيداً ..
ثم
نفيق أنا و زوجي من كابوسنا في وقت واحد
و
نحن نحس بالأرق إلا أننا لا نتحدث عن الكابوس أبداً
بعد
ما تحدثنا مسبقا ولم نصل لنتيجة ..
ثم
نقوم لنمارس نفس أعمال السحر
و
نحن نحس بأرق شديد ثم يأتي الليل مجدداً
و
يأتي الكابوس نفسه
إلي
أن أتي يوماً ونحن الثلاثة في منزلنا الكبير ..
نِمنا
.. فرأينا كالعادة كابوسنا أنا و زوجي ..
و
لكن بإختلاف أن الشياطين هذه المرة
إستطاعت
الدخول فقمت فزعة بعد أن أتي النهار
فوجدتني
في الكوخ ملطخة بالدماء
و
رأيت زوجي مقتول و ممثل بجثته
و
رأيت إبني مقطوع اللسان
و
رغم أنني قد أنجبته عاقلاً راشداً
وجدته
معاق ذهنياً
بالكاد
يتعرف علي بعض الأساسيات ..
و
أحسست أنني قد صابتني لعنة أعمالي
و
أنني أصبحت من فئة الشياطين والوحوش ..
فأقسمت
ألا أعود للعمل اللعين كعرافة
و
هجرت المنزل الكبير تماماً و عشت في نفس الكوخ
الذي
قتل فيه زوجي و حطت اللعنة علي إبني ..
و
بعد فترة كنت أذهب للمدينة متخفية
حتي
لا يراني أحد فيعرفني
فأعود
لهذا العمل اللعين
و
لكني إكتشفت أن ما أصابني
ليس
لعنة شياطين ووحوش
بل
هو من صنع أيدينا
فقد
عرفت من إحدي السيدات الثرثارات
أن
العرافة قد صنعت تميمة
لإحدي
السيدات لم تفلح معها
بل
حل علي هذه السيدة مرض غريب
بعد
أن صنعت تميمة لنفسها
لتحقيق
حلمها بالإرتباط بشاب ..
فماتت
بعد معاناة و أراد أهلها الإنتقام من الساحرة
الشريرة
التي تسببت في اللعنة التي أصابت إبنتهم
حتي
ماتت ..
فقاموا
بقتل زوجها والتمثيل بجثته
و
قطع لسان إبنها وتركها حيّة لتشاهد لعنتها
و
نقلوهم الي الكوخ
و
حبسوهم هناك وحاولوا إحراق الكوخ
و
أنا بداخله ولكن بعد فترة من مغادرتهم المكان
إنطفئ
الحريق فأحسست بأنها رسالة
بأنها
من الممكن أن تبدأ من جديد
و
لكن زوجها مات و إبنها لا ينطق و معاق ذهنياً
و
مع ذلك وجدت نفسي متقبلة ماحدث
وأنا
أعرف أنه شر عظيم مني
و
سحر قد عوقبت عليه وها أنا أبدأ من جديد
وعرفت
أن الله حي لا يموت ..
ثم
بعد أن إستمع البطل لقصة العجوز و إبنها
و
هم يتناولون العشاء ثم شربوا الشاي الساخن
و
ذهبوا جميعاً للنوم ..
وتنتهي
القصة بأنهم قاموا جميعاً في الصباح
إلا
البطل الزعيم الحاكم قد مات متأثرا بالسم
و
هذه أخبار من المدينةتم معرفتها بعد ذلك
و
الجاني مجهول و وجدوه ملقي علي أطراف المدينة
و
نظرة الي الكوخ تجد العجوز تفعل ما كانت تفعله
قبل
أن يأتيها الحاكم الهارب والولد إبنها
يستعد
للذهاب لمدرسته كالعادة ..
النهاية
تأليف
ابراهيم نصر