الخميس، 20 أكتوبر 2016

قصة .. المجهول


مدينة صغيرة نائية تتعرض لوابل من جرائم السرقات
والقتل من قبل عصابات صغيرة متنوعة متناحرة ..
تحت سمع وبصر .. حاكم نائم في الملذات ..
و شرطة أغلب أفرادها فاسدين ..
و جيش منظم من نواب برلمان و قضاة
و موظفون لحماية نظام الحاكم و حماية عرشه ..
وإحكام سيطرتهم علي كل مقدرات المدينة
و نِتاج هذا كله فساد مستشري في مجتمع هذه المدينة ..
و إستقواء الفاسدين بالقانون علي حساب الشرفاء
و تم إهدار جميع حقوقهم
و إن أراد أحد المواطنين الشرفاء محاولة مواجهة هذا التيار
أو تعطيل مسيرة هذه المنظومة الفاسدة ..
يتم هلاكه و الإنتقام منه أشد إنتقام
حتي لا يجرؤ غيره علي مواجهتهم ..
وقد يطول العقاب أهله وماله أو تصفيته جسدياً عقاباً له ..
ويسيطر هذا الواقع الأليم علي فِكر و خيال أحد الضباط
الشرفاء وهو شاب  حديث التخرج .. " صفوت "
تعلم أصول و قواعد حفظ الأمن في أكاديمية الشرطة
علي مستوي علمي حديث ..
و هو مؤمن بوطنه و مهموم بقضاياه
و صادق في حرصه علي أمنها
و لكن الواقع يستحيل السيطرة عليه ..
وهو مثقف .. متطلع .. طموح متفوق
و يتمتع بذكاء شديد و دائماً يبحث في تطوير مهنته
للأفضل ويحلم بأنه وزير داخلية المستقبل ..
وطرأت له فكرة أن يدخل عالم العصابات
بنفسه لفترة معينة ليكتشف أسرار هذا العالم
ليستطيع القضاء عليه تماماً ..
مما يفيده في الحصول علي قضايا كبري
و ترقية في العمل .. ليحقق حلمه  ..
و لكن لم يكلفُه أحد بمثل هذه المهمة
و لكنه بدافع وطنيته الشديدة
و حرصه علي مستقبل أفضل لأولاده
بلا إجرام و لا فساد ..
فأضطر إلي إيهام الجميع بأنه سوف يقوم
بتكملة دراساته الأكاديمية للحصول علي دكتوراة ..
مما يعطيه الوقت والفرصة ليقوم بمهمته الإنتحارية
علي حد وصفه ..
فقام بزرع نفسه متخفياً داخل إحدي عصابات المخدرات
و أوهمهم بأنه تاجر مخدرات يحمل نوع جديد من المخدرات
و يريد من رجال هذه العصابة أن تساعده في دخول
المخدرات لهذه المدينة لأن النوع الجديد مكاسبه
خرافية و مضمونة و لكن مخاطره هائلة
لأن رجال الشرطة لن تسمح بدخول هذه الأنواع
و أيضاً لأن العصابات الأخري
لن تقبل بسهولة منافستها في كارها ..
و سريعاً علم رجال العصابات الأخري بأمر التاجر الجديد
و بدأوا في جمع المعلومات المتاحة عن شخصيته
و أفراد عصابته و عن النوع الجديد من المخدرات ..
لكن بطلنا "صفوت " قوي الفراسة فكان يهرب
من إعطاء معلومات مفيدة للغير
مما يساعده علي كسب ثقة العصابات الأخري
ليقترب منهم ويتعاون معهم ..
وحدث ما خطط له الضابط .. وطلبه زعيم أكبر العصابات
ليلتقي به و يعرفه عن قرب و يكتشف من هو ..
تاجر مخدرات أم عميل للشرطة أم ماذا ..؟
و ذلك لخبرة و معرفة و دراية زعيم العصابة
بكل رجال العصابات الأخري
و بكل أفراد الشرطة الموجودة في المدينة ..
ولكن مقابلة واحدة من الزعيم مع بطلنا لا تكفي
لأن بطلنا يتمتع بالذكاء و الفطنة و حسن التصرف
و لكنه لفت نظر الزعيم بإمكانياته العقلية والجسدية ..
و ثقافته و عِلمه ..
و توالت المقابلات و العمليات الصغيرة
بين زعيم العصابة و بطلنا الضابط
الذي كان ينتظر الحصول أكثر علي ثقة الزعيم
ليستطيع الحصول علي معلومات تفيده
في توجيه ضربة قاضية لهذا العالم الإجرامي ..
ولكن الوقت سرقه فقد مر عامان
و لم يحصل الضابط علي ما يريد فأحس بأنه يغرق ..
و خلال ذلك كان الضابط المتخفي يثبت كفاءته لدي الزعيم
كتاجر مخدرات يوّرد البضاعة من الخارج
و يهرب من كمائن الشرطة المسلحة
و يتبادل معهم إطلاق النار و المطاردات
و كان بطلنا علي عِلم بكل ما يدور في كواليس
الشرطة و خططهم و طرق تنفيذها
فيسهل عليه الهروب من ذلك
و لكن في إحدي المطاردات يضطر بطلنا
إلي قتل أحد ضباط الشرطة الذين يقومون بمهامهم
بعد مطاردة مثيرة من ضابط كان زميل له في الاكاديمية
وكان يؤدي دوره و واجبه ..
و لكن بطلنا كان يدافع عن نفسه
فأرداه قتيلاً و ظل يبكي عليه ..
و هنا حدثت وقفة لبطلنا مع نفسه ..
فقال ماذا فعلت ؟ و لماذا قتلت ؟ ..
هل أنا تاجر مخدرات أم ظابط كفء ..
هل أستطيع الفصل بينهما
و هل أنا قادر علي النجاح في ذلك ؟ ..
هل طموحي أقوي من وطنيتي ؟..
هل أنا وزير داخلية المستقبل ؟
أم أنا زعيم أكبر عصابة مخدرات في المستقبل ؟ ..
و أثناء ذلك يتعرف البطل علي عشيقة زعيم العصابة
بعد أن أصبح هو الذراع اليمني للزعيم و المقرب منه دائماً
.. فحدث تقارب بين البطل والعشيقة ..
فوجدها البطل إنسانة متمردة غجرية
تكره حب الإمتلاك قوية لا تنكسر بسهولة ..
جميلة .. جذابة  ..
و أما الزعيم فهو رجل سكير طاعن علي سن الزواج
ينام مبكراً يميل للعنف و الوحشية ..
و كان التقارب بين البطل و عشيقة الزعيم
لقُرب أعمارهم من بعضهم
كما أنها وجدت في بطلنا الشاب خلاصها
من العشيق العجوز الذي تتحمله فقط لثراءه الفاحش
و الحياة المرفهة التي تعيشها ..
و رأي فيها بطلنا الضابط
طريق له لمعرفة كل شئ يحدث في كواليس زعيم العصابة
ليستطيع جمع الكثير من معلومات  عن الزعيم
تفيد الضابط في خلاصه من هذا العالم
و تحقيق طموحه الشرعي في الحصول علي قضية
كبري تفيده في ترقيات ليصبح وزير الداخلية ..
وتعددت مقابلات البطل والعشيقة في أماكن مختلفة
و أوقات مختلفة .. وكان يستدرجها في الحديث
لمعرفة كل شئ و قد واتته فكرة عبقرية
من مشهد بسيط لعشيقته تنفخ في بالون
الي أن يفرقع .. فيقول وجدتها ..
انا أريد القضاء علي الزعيم
فيجب أن أنفخ في مكانه و مكانته ليكبر الزعيم كثيراً
و كلما كبر كلما وجب القضاء عليه ..
فإقترح البطل علي الزعيم
ضم كثير من العصابات الصغيرة إلي عصابته
لتصبح أكبر عصابة في المدينة
و إقترح عليه إتساع النشاط بدرجة كبيرة
بإضافة بعض الأعمال المشروعة بجانب النشاط الأساسي  ..
وكان بطلنا يقصد أن يكبر الزعيم كثيراً و يكبر معه أعداءه
سواء من الشرطة أو العصابات الأخري ..
ويصبح مثل البالون المنفوخ يسهل تدميره ..
إلا أن الزعيم بعد تفكيره لفترة قصيرة ..
رفض في البداية
إلا أن محاولات بطلنا في إقناع الزعيم نجحت
بعد عرض البطل علي الزعيم شكل تطوير العصابة
وتجديدها بضم عناصر مميزة من عصابات أخري ..
وأقنعه بدخول عالم الشهرة و الأضواء
من خلال أعمال خيرية
يتم غسل أموال العصابة القذرة فيها
مع بروباجندا إعلامية مأجورة
تعمل علي تمجيد رجال الأعمال الشرفاء الوطنيين
الذين يقومون بأعمال خيرية لصالح وجه الله ..
وقد حدث ..إستفاد زعيم العصابة ( رجل الاعمال الوطني )
من الوضع الجديد لعصابته مما أثار حقد و غيرة
و كراهية رجال و زعماء العصابات الأخري ..
و لم تستطيع مواكبة التطوير و التجديد الذي حدث
مما جعلها تشن حرب إعلامية و نفسية و مسلحة أيضاً ..
علي كل مصالح الزعيم وعلي الزعيم نفسه
و لكنه كان ينجو مما يدبُر له كل مرة ...
و وجدت العشيقة فرصة كبيرة لها هي و حبيبها
بطلنا الضابط .. الذي جمعتهم علاقة حب ملتهبة ..
في الخلاص من الزعيم العجوز .. ليخلو الجو لهما ..
فرفض البطل الموافقة علي الخلاص من الزعيم
لأنه بمثابة الأب الروحي له في عالم الإجرام  ....
ولأن العشيقة أنثي ساحرة لا تقاوم
و تعلم أدواتها جيداً و تجيد إستغلالها ..
فبدأت في مراوغة بطلنا فمرة معه
و مرات تجعله يغير بتوددها لغيره أو بنسيانه
و تجاهل إتصالاته أو بالتمثيل عليه أنها سعيدة مع الزعيم ..
وقد أتت محاولاتها بأثر في نفس البطل
الذي أيقن أنه  قد تغيرت ملامح كثيرة فيه
فلم يصبح بطل الشرطة الطموح
ولكنه أحس بأنه يحب عشيقة تستخدم جسمها الناضر
في مساومته علي أن يفعل شيئا هو يرغبه في داخله
الخلاص من الزعيم بدافع تطهير المدينة
و لكنه لا يريد أن يقتله ..
و ظل يتردد إلي أن رضخ لرغبات العشيقة
في الخلاص من الزعيم ليتزوجا ..
فقام البطل بتدبير عملية إغتيال منظمة
بعد تسريب معلومات لأعداء الزعيم عن تحركاته
مما سهل عملية قتله التي وصفت إعلامياً
بالحادث المروع الذي أودي بحياة رجل الاعمال
الوطني (زعيم العصابة ) ..
و إستولي بطلنا علي قلب و جسد عشيقته
و علي كرسي الزعامة و أصبح الزعيم الجديد للعصابة
و رجل الأعمال الوطني القادم  ..
ولأن بطلنا ذكي .. سرعان ما إتسع نشاط العصابة
و ضم أفراد جدد و زيادة المركز المالي للعصابة
و كثرة إفتتاح مشاريع وطنية عظيمة
علي حد وصف الإعلام  .. مثل المولات و السينمات
و المطاعم و المسارح و المستشفيات و المصانع ..
وكأنه قد تناسي انه كلما كبر أكثر كلما ازداد أعداؤه
وإزدادت المكائد التي تنصب له للإيقاع به ..
فكان يخوض معارك طاحنة شرسة في تجارته الأصلية
من قِبل العصابات الأخري .. ومشاكل كبيرة في أعماله
المشروعة من تهرب ضريبي .. الخ
وكان قد أثار بطلنا (زعيم العصابة الجديد) حفيظة
حاكم المدينة فأمر بمحاصرته و التضييق عليه
حتي لا يكسب مالاً آخر أو تزداد شعبيته بين العامة
المستفيدين من مشاريعه المشروعة ..
و التي قد يستفيد بهما في أي إنتخابات قادمة
.. فيفقد الحاكم سيطرته علي المدينة و يفقد عرشه ..
و أمام هذا كله أراد بطلنا أن يعزز مكانته
في مواجهة الحرب التي يشنها الحاكم عليه
بحصوله علي حصانة قانونية
بأن يكون عضواً في مجلس المدينة
مستغلاً شعبيته الجماهيرية
و كان الحاكم يستخدم جميع الوسائل المتاحة له
لمحاربة بطلنا في مصالحه مما جعل بطلنا
يستخدم شعبيته في حشد الجماهير المقتنعة به
في وقفات إحتجاجية – إضرابات و إعتصامات - ..
و قام بتدشين حملة صحفية مأجورة للدفاع عنه
و عن مصالحه المنتشرة في المدينة و عن أعماله الخيرية ..
و أعطت الصحافة الحاكم دروساً
في كيفية ممارسة الحقوق السياسية
و الحفاظ علي حقوق الآخرين ..
مما ساعد علي إنضمام الآلاف من العامة
إلي دعوة بطلنا الزعيم
و قام الحاكم بغباء بمحاولة وأد الثورة قبل أن تشتعل
مما أدي بها إلي أن تكون ثورة حقيقية ..
ضاع فيها الكثير من الضحايا فإنتفض شعب المدينة ..
وأختاروا بطلنا حاكماً جديداً للمدينة
بعد تنحية الحاكم السابق
فوصل بطلنا الي الحُكم علي جثث شرفاء آمنوا به
و ضحّوا بالغالي والنفيس
من أجل وصول بطلنا ( زعيم العصابة )
و هو في نفس الوقت رجل الاعمال الخيرية
الذي رأي فيه الشعب خلاصهم من الفساد و الرشوة
و القتل ليخلق لأولادهم مستقبلاً أفضل ..
وبعد وصول بطلنا للحكم أراد أن يقف فيها مع نفسه
ليحاسبها مرة أخري بعد أن يمر شريط حياته أمامه ..
و أراد أن يعتزل عالم العصابات و المخدرات
و يباشر إصلاح بلاده ..
و لكن شركاؤه و أتباعه و المستفيدين من هذا العالم
لن يتركوه يغادره بسهولة ..
فأخذ يفكر ويفكر في كيفية هروبه إلي ما يريد
و لكنه لم يصل لشئ ..
و أيضاً خصومه و منافسيه لم ينتظروا كثيراً عليه
و قاموا بشن حرب سياسية و قانونية و إعلامية ضده ..
وأدخلوه و أدخلوا البلاد في متاهات فوضي و إرهاب
و إنعدام أمن إستغلالاً لظروف ثورة
و قاموا برشوة بعض ضباط الشرطة لمساعدتهم
علي تحقيق سيناريو الفوضي  المخطط له
من قِبل خصوم الحاكم الجديد
الذين يرغبون في ضرب مصالح الحاكم
و ممتلكاته و أعماله كلها لتفشل ويفشل هو معها ..
وحاول الزعيم أن يتصرف سريعاً لمواجهة ما يقابله
إلا أن تصرفاته يشوبها الحيرة والتردد
قبل إتخاذ أي قرار مما ينتج عنه كوارث
من الحرق و القتل و السرقة
و وضعته تصرفاته سريعاً في مصاف الديكتاتوريين ..
وفي خِضّم هذه الأحداث توالت الضغوط علي البطل
بعد إكتشافه أن حبيبته وعشيقته
الذي فعل ذلك من أجلها حملت منه جنيناً
ثم أسقطته لإدمانها المخدرات وإنشغاله عنها
بأمور الحكم و زعامة العصابة ..
ثم إكتشف خيانتها له مع أحد أفراد بطانته ..
فجن جنونه و أتي به إلي غرفتها
و قتله أمامها بوحشية ..
وتوسلت إليه أن يتركها تعيش
و إستغلت سحرها في إقناعه
لكن بداخلها خوف كبير من أن يقتلها ..
وبداخلها أيضاً إمرأة شرهة و شهوانية
و غرائزها لا تنتهي و هي لا تشبع من الملذات ..
وتأثراً بما حدث أراد بطلنا وضع نهاية لمعاناته
فواجه نفسه بنفسه .. وكانت مواجهة صعبة
بين زعيم العصابة و رجل الشرطة الشريف ..
و إنتهي إلي إدانة الإثنين و أحس بالندم الشديد
و إختار أن يعاقب نفسه بالنفي في مكان لا يعلمه أحد
و صارح حبيبته و عشيقته برغبته تلك
فرفضت في البداية ولكن خافت أن يقتلها ..
فوافقت علي أن ترافقه في منفاه ..
وفي بالها أن ذلك لن يدوم إلا فترة قصيرة
يعود بعدها الزعيم إلي رشُده
و يعود لعرشه الذي خَلا بعد هروبه
إلي منفاه دون علم أحد
و أصبحت المدينة بلا حاكم
و تحت وطأة فوضي و إرهاب ..
ولكن تبددت آمالها بعد فترة
لم تطيق أن تعيش بعيداً عن الأضواء و الشهرة
و الإحساس بالتميز و الإنفراد
و التمتع بالسلطة و جبروتها ..
و تعيش أنثي عادية في حياة بسيطة جداً ..
وهي لم تكن كذلك ولن تكون
فهربت من بطلنا و تركته وحيداً حزيناً كئيباً
لأن حبيبته فارقته دون أن تودعه و خانته
.. وخاف من أن تُبلغ عن مكانه
فهرب بعيداً علي حالته و ظل يسير و يسير
بين أحراش علي طرف المدينة
إلي أن أحس بأنه قد تاه
و لن يُعرف طريقاً له بعد ذلك
فأحس أنها النهاية ولكن بعد قليل من سيره
وجد كوخاً صغيراً و وجد أمامه إمرأة عجوز
لا تقوي علي حمل الحطب
و لا علي قطع بعض  الأشجار ...
ولديها حظيرة تُربي فيها دواجن و طيور و بعض الماشية ...
فلجأ اليها سريعاً راجياً منها أن تخبئه
و أعطاها كل ما معه من مدخرات
لتتركه يعيش أيامه الأخيرة في أمان
و توافق العجوز علي إستضافته
و لكن هي حذرة و خائفة ..
و لكن وافقت ليساعدها بماله و عطاياه
و بجهده إن أمكن ..
و بدأت في التعرف عليه و بدأ هو في التعرف عليها ..
و عن نفسه أخبرها قصة كاذبة لهروبه و لجوءه اليها ..
و تحدثت هي أنها تسكن من زمن بعيد في هذا المكان
و هي تعيش علي قطع الأشجار وبيع أخشابها
و كان زوجها يساعدها ولكنه توفي
وهي لها إبن معاق ذهنياً يدرس
في مدرسة لمثل حالته
و يتواجد معها في الراحة الاسبوعية
ليساعدها في قطع أكبر عدد من الأشجار ..
ولكنه الآن غير موجود
وبعد أيام قليلة لاحظت العجوز أن بطلنا
قليل الكلام كثير الشرود حزين الملامح
و لكن عندما تطلب مساعدته تجده علي الفور يلبي طلبها ..
وكان مشغول جداً بكتابة مذكراته
و الذي قصد منها إعطاء دروس في الحياة
لكل إنسان بات يحلم أحلاماً جميلة
و لكن لم يصل إليها
لأن الحياة لا تعطي كل ما نتمني
و قد تمنح فضلها لبعض الناس وليس كلهم ..
و لكن قد أخبر عشيقته بنيته في كتابة مذكراته
و هي المعلومة التي إستفادت منها العشيقة
في كسب الكثير خصوصاً بعد الإبلاغ عن مكانه
ليتم القضاء عليه ..
وهاجت ثائرة المدينة من جميع الأطياف
تطلب القضاء علي الزعيم الهارب
و لكن إعترض الكثيرون مكتفين بما قد صابه
من زوال سلطانه وتحوله لهارب شريد مطارد ..
و دار جدال عقيم تنوعت مآربه ولم تصل لإتفاق بشأنه ..
و حدث أن زارها إبنها المعاق ذهنياً في راحته الاسبوعية
و التقي بأمه التي رحبت به بشدة و إحتضنته بدفء
و بعد مرور فترة أخبرت العجوز إبنها
أن هناك ضيف غريب يوجد معها
و جاءت به ليتعرف علي إبنها الذي لا ينطق
ولكن هي أخبرته أنه يسمعها و يفهمها ..
ودار حوار .. علي العشاء والثلاثة مجتمعون ..
سألت العجوز بطلنا ..
لماذا أنت منشغل بكتابة هذه الأوراق
.. أهي مذكراتك ..؟
فنظر لها البطل بغرابة ..
فمدت يدها لتتلقي كتابه فرفض
وإحتضن مذكراته بقوة ..
فنظرت له نظرة طويلة في عينيه
التي كانت تهرب من النظر اليها ..
فقالت له أري ما تخبئه عينيك ..
فرد بريبة أتعرفين ماذا أكتب ..
فلم تجبه لفترة ثم قالت له .. من أنت؟
ثم سكتت فإرتجف بشدة لخوفه من سؤالها
ولم يرد فقالت له "الحياة قرار"
فغضب وتفاجأ لأن ما تقوله هو عنوان مذكراته ..
فطمأنته بأنها لا تعرف عن حقيقته شيئاً ..
ثم إنطلقت تحكي له ..
كنت أعمل في الماضي أنا و زوجي
في صناعة بعض الزخارف الخشبية قدر ما نستطيع
و كانت تباع منها الكثير
و كنا نسكن في منزل كبير
كان موجوداً بريف المدينة بالقرب من هنا ..
وجاءت مرة إحدي السيدات
تطلب صنع تميمة لزوجها حتي يعود يحبها
ولا يتزوج عليها ..
فنصحتها بأن تراعي الله في زوجها
و أن ترحمه قدر إكرامه لها ..
ففرحت جداً بكلامي
و لكن طلبت تميمة أو تعويذة خشبية
و أصرت علي ذلك و أغدقتني بمالها الوفير
و نفوذها كسيدة من فئة النخبة ..
فوافقت علي شرط سرية الموضوع
و إنتهاءه بمجرد حدوث المُراد ..
و أكدت عليها أن كل شئ يحدث في دنيانا
بأمر من الله و إذن منه ..
ورغم ذلك فوجئت
بأن نصف السيدات الراقيات في مجتمع المدينة
تريد تمائم سحرية لأغراض مختلفة
و كلهم معهم أموال كثيرة
فبدأنا أنا و زوجي في صنع هذه التمائم
بشكل جعلنا ننسي عملنا في صناعة الزخارف
و إخترنا هذا الكوخ الصغير الغريب
الذي نعيش فيه الآن ليكون مكان عملنا الجديد
و هو كوخ به بعض الغرابة
و يتوسط أحراش كثيرة
في زاوية لا يُعرف مسلكها إلا بدليل
أو يكون قد زار المكان سابقاً ..
ولكن بطلنا قد ساقته الصدفة وحدها إلي هذا المكان ...
وكان الناس يقولون عني
عرّافة القَرن و حكيمة الزمان في فترة وجيزة
و دون أفعال حقيقية نصنعها
فهي خلطة بسيطة .. من .. حِكم و أمثال
في أوراق داخل شكل صغير خشبي
ثم العطايا والهدايا ..
و لكننا من داخلنا كنا لا نشعر بالرضا أبداً
و نريد التوقف و لكن الناس لا يتركون لنا مجالاً ..
فسألها البطل ..
و ما الذي جعلك لا تشعرين بالرضا
و أنت دليل للناس في حياتهم
و تجعليهم يبصرون مستقبلهم
بل و يستطيعون تغييره ليكون الأفضل ..
فقاطعته قائلة وأنت كنت دليل من في حياته ..؟
و من يستطيع أن يدلك أنت في حياتك..؟
فباغته السؤال ولم يرد
فقالت له هو ذا ..
صراع النفس الإنسانية الذي لا ينتهي أبداً ..
و هو ما بدا في عينيك .. أنت تائه ..
و أنا لم أكن عرافة أو مبصرة
ولا أملك الناس بالسحر
بل هي الناس التي توهمت ذلك
و صنعت لها آلهة عبدتها ترمي عليها ذنوبها
وتريد الخلاص لترتكب المزيد من الذنوب
وهكذا هي الحياة عند الناس
ليس لها بداية وليس لها طريق وليس لها نهاية ..
و أتت الناس بالدليل علي أوهامها
و نفخت فيها لحد التقديس ..
ولكن عندما ننام أنا و زوجي و إبني في الليل
نري أنا و زوجي فقط كابوس واحد لا يتغير ..
و رغم أننا ننام في منزلنا الكبير
إلا أننا نري أنفسنا في الكوخ ثلاثتنا
و عندما يحل الليل تأتي الشياطين والوحوش
تحاول دخول الكوخ ولكن لا تستطيع
فتظل تطرق بعنف شديد يهز أرجاء الكوخ
طوال الليل ولا يدخلون إلي أن يأتي النهار فيذهبوا بعيداً ..
ثم نفيق أنا و زوجي من كابوسنا في وقت واحد
و نحن نحس بالأرق إلا أننا لا نتحدث عن الكابوس أبداً
بعد ما تحدثنا مسبقا ولم نصل لنتيجة ..
ثم نقوم لنمارس نفس أعمال السحر
و نحن نحس بأرق شديد ثم يأتي الليل مجدداً
و يأتي الكابوس نفسه
إلي أن أتي يوماً ونحن الثلاثة في منزلنا الكبير ..
نِمنا .. فرأينا كالعادة كابوسنا أنا و زوجي  ..
و لكن بإختلاف أن الشياطين هذه المرة
إستطاعت الدخول فقمت فزعة بعد أن أتي النهار
فوجدتني في الكوخ ملطخة بالدماء
و رأيت زوجي مقتول و ممثل بجثته
و رأيت إبني مقطوع اللسان
و رغم أنني قد أنجبته عاقلاً راشداً
وجدته معاق ذهنياً
بالكاد يتعرف علي بعض الأساسيات ..
و أحسست أنني قد صابتني لعنة أعمالي
و أنني أصبحت من فئة الشياطين والوحوش ..
فأقسمت ألا أعود للعمل اللعين كعرافة
و هجرت المنزل الكبير تماماً و عشت في نفس الكوخ
الذي قتل فيه زوجي و حطت اللعنة علي إبني ..
و بعد فترة كنت أذهب للمدينة متخفية
حتي لا يراني أحد فيعرفني
فأعود لهذا العمل اللعين
و لكني إكتشفت أن ما أصابني
ليس لعنة شياطين ووحوش
بل هو من صنع أيدينا
فقد عرفت من إحدي السيدات الثرثارات
أن العرافة  قد صنعت تميمة
لإحدي السيدات لم تفلح معها
بل حل علي هذه السيدة مرض غريب
بعد أن صنعت تميمة لنفسها
لتحقيق حلمها بالإرتباط بشاب ..
فماتت بعد معاناة و أراد أهلها الإنتقام من الساحرة
الشريرة التي تسببت في اللعنة التي أصابت إبنتهم
حتي ماتت ..
فقاموا بقتل زوجها والتمثيل بجثته
و قطع لسان إبنها وتركها حيّة لتشاهد لعنتها
و نقلوهم الي الكوخ
و حبسوهم هناك وحاولوا إحراق الكوخ
و أنا بداخله ولكن بعد فترة من مغادرتهم المكان
إنطفئ الحريق  فأحسست بأنها رسالة
بأنها من الممكن أن تبدأ من جديد
و لكن زوجها مات و إبنها لا ينطق و معاق ذهنياً
و مع ذلك وجدت نفسي متقبلة ماحدث
وأنا أعرف  أنه شر عظيم مني
و سحر قد عوقبت عليه وها أنا أبدأ من جديد
وعرفت أن الله حي لا يموت ..
ثم بعد أن إستمع البطل لقصة العجوز و إبنها
و هم يتناولون العشاء ثم شربوا الشاي الساخن
و ذهبوا جميعاً للنوم ..
وتنتهي القصة بأنهم قاموا جميعاً في الصباح
إلا البطل الزعيم الحاكم قد مات متأثرا بالسم
و هذه أخبار من المدينةتم معرفتها بعد ذلك
و الجاني مجهول و وجدوه ملقي علي أطراف المدينة
و نظرة الي الكوخ تجد العجوز تفعل ما كانت تفعله
قبل أن يأتيها الحاكم الهارب والولد إبنها
يستعد للذهاب لمدرسته كالعادة ..

النهاية

تأليف ابراهيم نصر




الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

الـعــوّاد

 

في البداية مشهد لرجل كبير مُسن

 يسكن غرفة وحيدة فقيرة

دهان حوائطها متساقط

و منظرها يعبر عن رائحتها ..

و الرجل يلبس ملابس فقيرة

عبارة عن جاكت فوق جلباب

و يمسك عود يبدو أنه ثمين و غالي

لكنه قديم الموديل ..

 و يعزف عليه ألحان علي أوتاره

 أغنية وطنية " مصر تحزن علي نفسها "

 و تقترب منه أصوات تتعالي في الشارع

 حيث تطل نافذته علي أرض الشارع

 حيث يسكن في الدور الأول سفلي " بدروم "

في حارة جانبية و ضجيج المكان

من المارة و القهاوي ولعب الأطفال

 يكاد أن يغطي أصوات العواد

و هو يعزف علي عوده ..

 و الأغنية التي كان ينشدها

هي كلمات تعيد العواد إلي ماضيه

 عندما كان شابا في آواخر الستينات

و كان شاب يافع سويسي

يهوي العزف علي العود

حالم بأن يصبح ملحن أو مطرب مشهور

 و كان كثيراً ما يذهب إلي القاهرة

ليشارك في الفعاليات الفنية

و لكن بلده السويس و منزله في السويس

 و حياته و أصدقاؤه

و كان يذهب للقاهرة بعد أوقات العمل

و أحياناً كان يترك العمل من أجل حفلة فنية

و كان غير مستقر في التعيينات الحكومية

التي كانت تأتيه من وزارة القوي العاملة ..

 بسبب ميوله الفنية التي كانت تداعبه

 بين الحين والآخر ..

فمرة عازف في فرقة  تحيي حفل مطرب مشهور ..

و مرة أعمال فنية تخصه بصوته

 منها ما تميز بالذوق الرفيع

و منها ما لم يرقي للنجاح ..

كان العائد منها لا يوازي

الجهد و العمل و المصاريف التي يتحملها

 العواد في محاولة الوصول لحلمه الفني ..

 إلا أن كل من تعامل معه أخبره بحقيقته

أنه يجيد العزف علي العود فقط

أي لا تلحين و لا غناء و لا تأليف ..

و كان يجلس دائما علي قهوة رواش

الموجودة في الأربعين مع أصحابه

ميمي سرحان و قناوي و ابراهيم سليمان ..

و كانت فترة إرتباطهم الحقيقية بعد نكسة 67

 و هجرة أهالي القنال بسبب الحرب

و الذهاب للقاهرة و الدلتا

و أًصبحت مدن القنال خاوية علي عروشها

 بسبب غارات العدو المرابط في سيناء

اللهم إلا بعض الأهالي

الذين لم يتركوا ديارهم خصوصاً في السويس

 التي أصبح ساكنيها و هم لا يتجاوزوا العشرة

آلاف في بيوت مدمرة و مهجورة

 أصحابها تركوها خوفا من الحرب و الغارات ..

و كان الشباب أصحاب العواد يتساءلون

و هم محبطون من الهزيمة

عن سبب ترك الناس لبيوتهم

و منهم من إلتمس العذر و منهم من إتهمهم

بالجبن و الحرص علي الحياة الفانية ..

و كانوا يتساءلون في ما يشبه أحلام اليقظة  ..

ماذا لو كان عدونا يحتل أراضينا

و نحن نظل كما نحن لا نتحرك من بيوتنا

ليأخذها العدو و يتمتع بخيراتها و ثرواتها

و بذلك نحقق هدف العدو من الحرب ..

 ماذا لو إتحدنا و أصبحنا عدد كبير

بجنودنا و فدائيينا و مقاومينا

كنا نجحنا في هزيمة العدو ..

كان هؤلاء الشباب أقصي آمانيهم و أحلامهم

هي زوال الإحتلال و الهزيمة

و آثار فترة النكسة

التي أيقظت ضمير الشعب المصري

الذي أتحد علي قلب رجل واحد لطرد المحتل

 و لكن أصحاب المصالح  و المنافع

كانو موجودين و بالمرصاد يمارسون

بعضاً من فسادهم في ظل النكسة

 لأنهم لا يهتموا إلا بمصلحتهم الشخصية

و منافعهم و لكن قوة الشباب السويسي

و المصري كانت تنبع من عزيمة حلم واحد

هو تحرير الوطن من الأعداء و الخونة ..

و أما سر وجودهم في المحافظة

هو عهدهم لله أن يعيشوا أحرار

أو يموتوا تحت بيوتهم ..

 كما أنهم كانوا مرتبطين بعائلات كبيرة

و كانوا يؤمنون بزوال الإحتلال و الدمار

و بعدها يأتي العمار و الحياة

أي أنها فترة و تمر لكنها لن تطول  ...

و من أصحاب المصالح

 من كان يعمل في ظروف الحرب

و يطلق عليهم  تجار الحرب

 و هم ممولي المدينة بالغذاء و الدواء

ونقل الساكنيين و بعض المهن و الحرف

 المرتبطة بمعيشة أهل المدينة

و نقل السولار و الإمداد بالمواد الغذائية

و الصحافة و العيش

بالإضافة لعمال هيئة المياه و عمال الكهرباء

و عمال البترول و الزيتيات

و بعض الفلاحين الموجودين في حي الجناين ..

و كان هذا قوام المحافظة في أوائل عام 1973 ..

و كان حال المحافظة لا يختلف عن حال البلد

يأس و  إحباط من عدم نشوب حرب التحرير

 و إحساس يتزايد عام بعد عام

بعدم وجود حرب من أساسه

 بسبب عام الحسم 1971

ثم عام التطهير 1972

ثم في 73 مظاهر الراحة موجودة

 بين صفوف الجيش و قياداته و قيادات الدولة

 و كأن البلاد لا تمر بمرحلة غليان

من عدم تحرك الأمور و كأنها ليست محتلة

 و في خضم حديثهم عن الأوضاع

و هم يشربون الشاي و القهوة والسحلب

 و الينسون علي قهوة رواش

ينتبهوا إلي عود العواد و هم يرددون

أغاني " تبحث عن مصر و أولوياتها في

ظل اللحظة الراهنة " ..

 و كان الأصحاب موجودين معاً

 تقريباً في كل مكان

حتي أنهم بعد النكسة مباشرة

إنضموا جميعا لمنظمة تحرير سيناء

التي أنشئت من 1967 إلي 1970

و قامت ببعض عمليات المقاومة الصغيرة

ضد العدو في سيناء في إطار حرب الإستنزاف

لزلزلة الأرض تحت أقدام العدو

و إيصال حقيقة مؤكدة للعدو ..

 و هي رسالة لا خير لك علي هذه الأرض

و لن يعيش هانئ علي أرض ليست ملكه

 و أغتصبها من صاحبها ..

و هآ أنا صاحبها أقول أني موجود

و سأسترد وديعتي التي إستوليت عليها ...

و عندما توقفت حرب الإستنزاف

و حَكم السادات تم حل المنظمة

و أصبح الجيش هو المسئول الوحيد

عن مقاومة المحتل و تحرير الأرض  ..

و إنتظر شباب المقاومة الشعبية هذه اللحظة

 إلي عام 73 شهر مايو

و لم تأتي اللحظة التي ينتظرونها

و جاءت كلمات العواد لتثير حماستهم

و أشجانهم علي ضياع أراضيهم

و عجزهم عن إنهاء الوضع و إسترداد الأرض

فبكوا .. و قال أحدهم للعواد متسائلاً ..

لماذا لا تنزل إلي القاهرة لتحاول أن تصل

إلي كبار الملحنيين او المطربين في الإذاعة

 و التليفزيون ليغنيها أحدهم مثل

عبد الحليم حافظ مثلاً ..

 لتسمعها مصر كلها علها تثير الشعب

والجيش و القادة وتحرك ساكناً ..

و بالفعل تحمس العواد

و بعد شهرين ذهب إلي القاهرة

ليبحث عن مطرب يغني أغنيته

بعد أن أعدها جيداً

و كتب لها نوتة علي العود للحنه الشجي

الذي يبحث عن مصر في عيون أبنائها ..

وعند نزوله بحماس إلي القاهرة

بعد أن توقف عن النزول لفترة طويلة

لمتابعة أعماله الفنية بسبب الحرب

و إنضمامه لمنظمة تحرير سيناء

ثم الحالة المعنوية من سنة 70

التي لم تسمح بأي وجود فني ملموس

و لكن هو أحس أن أغنيته واجب وطني

 تستحق العناء

وأعتبرها نوع من أنواع المقاومة للعدو ..

وجد القاهرة مزدحمة و مواصلات

و أناس تذهب في جميع الإتجاهات دون نظام

و إشارة سيارة يتم كسرها

و طريق مغلق يأخذه أحدهم

 مخالفاً السير في الطريق الصحيح ..

و عندما وصل للإذاعة وجدها مزدحمة

 و ضوضاءها صاخبة

و لا تساعد علي الإبداع أو الفن

 أو حتي العمل ..

و وجد الكثير و الكثير من الموظفين

الذين لا يعملون شيئا ولا يفعلون شيئا سوي ..

 الفطار و الشاي و الكلام علي الناس

 و التزويغ و الكلمات المتقاطعة ..

 و غرف المديرين فارغة

 و غرف الفنانيين فارغة

و لم يجد العواد أحد ..

لا فنان معروف أو غير معروف

ليغني له أغنيته ..

و سرعان ما أحبط العواد و عاد إلي السويس

و عندما عاد عنفه أصحابه

و طالبوه بالمحاولة مرة أخري

و لكن بشكل مختلف ..

إذهب لبعض الفنانيين الجيدين

في أول طريق غنائهم

و في بداية مشوار نجاحهم

و تحاول إقناعهم بأهمية هذه الأغنية أن تظهر

في هذا التوقيت لتلهب حماس الجميع ..

و إقتنع العواد بالفكرة و خطط للقيام برحلة أخري

لبعض الناجحين من المطربين والملحنيين

 في بدايةمشوار نجاحهم في أماكن عملهم

 أو النوادي الليلية أو في منازلهم ..

إقتناعا منه برسالة الفن

.. و عندما ذهب العواد إلي القاهرة مرة أخري

نزل عند أحد أقاربه لمدة أيام

حاول مقابلة أي من هؤلاء

و لكنه وجد أن معظم هؤلاء سافروا إلي لبنان

 أو تركيا للعيش و العمل ..

و البعض الآخر منغمس في حفلات ليلية منحرفة

و البعض رفض العودة أساسا

و البعض أحبطه و البعض أعجب بعمله كثيرا

 و لكن لم يتحمس لأنه  لن يأتي بالمال للمنتج

فلذلك لن يدفع فيه مليماً ..

و عندما حاول العواد أن يتنازل عن أجره

 في مقابل ظهور الأغنية لم يوافقه الرأي الفنان

و عبر له بإستياء

عن أن الفنان الذي يتنازل عن أجره

فكأنما تنازل عن فنه

و لم يتحمس له ولا أغنيته ..

و عاد العواد للسويس هذه المرة محبطاً جداً

و قرر أن لا يعود للقاهرة

و ظل أياماً يذهب إلي حي الجناين

 ليرتمي في أحضان الطبيعة الساحرة

 مزارع خضراء أشجار النخيل

 أمام الترعة تحت ظل القمر

 و النسيم الذي يتلاعب بأوراق الأشجار

.. ليدندن لنفسه الكثير و الكثير

من ألحان الحب و الشجن ..

و كان يستمر لساعات فجر الصباح

إلي أن يحس أنه إرتاح نفسياً

يعود سيراً من الجناين بموازاة الترعة

ليصل إلي الهاويس و من ثم الأربعين

ليعود لمنزله ..

و كل هذه الأماكن في هذه الآونة

كانت نظيفة و كبيرة و واسعة

و كان العواد يذهب في بعض الأحيان

 إلي حي الملاحة و أحيانا بورتوفيق

 ليلتقي الأصدقاء  و يعيدون أغنيات

التراث  بمصاحبة العود ..

و كانوا يتسامرون ويضحكون

و يستمتعون بضوءالقمر في ليلة رمضانية

 ضحكوا و بكوا و حلموا

و أفاقوا علي يوم السبت 6 أكتوبر 1973 –

10 رمضان ..

و أثناء الظهيرة و في عز الصيام

جاءت الأخبار من جميع الوسائل

و بدأت بالإذاعة .. أخبار تفيد

بأن القوات المسلحة نجحت

في عبور قناة السويس

و هي تشتبك الآن مع العدو

علي الخطوط الأمامية في سيناء ..

و لكن الناس توجست خيفة من هذه البيانات

 حتي لا تتكرر مأساة النكسة ..

و رويداً رويداً في يوم 8 أكتوبر

جاءت بطولات الجيش المصري في سحق العدو

 و بدأت الناس في الفرحة

ثم 10 اكتوبر فبدأ العواد و أصحابه يتأكدون

من أن لهم دور في هذه الحرب و لو بأي شكل

 و جاءوا في ليلة12 اكتوبر

علي خط قنال السويس

بعد أن إطمئنوا علي أهلهم

وتفرغوا للحرب ..

و لكنهم لم يلاحظوا وجود حرب بالمعني الحقيقي

علي ضفاف السويس

و لكنهم كانوا علي إستعداد لمواجهة

أي إحتمال من العدو خصوصاً

و أصداء المعركة الحربية قريبة جداً منهم

 يسمعوها و لكنها لا يروها كاملة ..

و بعدها أراد العواد و أصدقاؤه المساهمة

في هذه الحرب فجمعوا أبناء السويس

في ميكروفونات و جعلوا أهلها جميعاً

يستعدون لأي غارات إسرائيلية محتملة

و حددوا مهام للجميع من تأمين الغذاء و الماء

 إلي تأمين بعض المداخل القريبة ..

و كان عدد الموجودين في السويس

في هذا الوقت تحديدا ما يقرب من 5 آلاف شخص ..

و إستمر الوضع علي هذا إلي يوم 20 أكتوبر

حيث أصدر مجلس الأمن قرارا بالدعوة

 إلي وقف إطلاق النار لم يتم إحترامه

ثم قرار آخر يوم 22 أكتوبر بوقف إطلاق النار

 في قرار ملزم للطرفين ..

و كانت القوات المصري بأكملها تحارب في سيناء

بعد عبورها القناة و تدمير خط بارليف المنيع ..

كان القتال يدور بشراسة و في جبهات كثيرة

 و توغلت إسرائيل في سيناء

و إستغلت في خيانة خسيسة ثغرة الدفرسوار

و مررت رتل كامل من الدبابات و لواء مدرعات

ولواءيين مشاة .. فجر يوم 23 اكتوبر

 و بعد لحظات من قرار وقف إطلاق النار

 بقرار الأمم المتحدة  ..

و بالتزامن معه

لتوفير فرصة للجيش الإسرائيلي

 لتحقيق أي نصر عسكري

 يشفع له في المفاوضات

التي تلي وقف إطلاق النار ..

و جاءت الأخبار متواترة إلي السوايسة

بأن اليهود سوف يهجمون علي السويس

من ناحية راس  سدر ، و علي الإسماعيلية

 و بعدها سيذهبون للقاهرة لإحتلالها

و إستعد الجميع في السويس

 مقاومة و شعبا ومسئوليين

و لم يكن أحد يعلم ماذا يحدث اللحظة القادمة

 و بالفعل حدثت بعض المعارك الليلية

 عند أطراف السويس و الجناين

مع بعض دبابات الجيش

و كان يوجد مدفعية و بعض طائرات العدو ..

 و بدأ الهرج والمرج في السويس

و نظمت المقاومة صفوفها

و قامت بتأمين مداخل المحافظة

و حصلت علي السلاح من الجنود المص

ابين الفارين من أرض معركة جنيفة و الجناين

و قاموا بتأمين ثلاجة الغذاء الرئيسية للمحافظة

الموجودة في الكبانون و أنشأوا مخزن للسلاح

 و الذخيرة في جامع الشهدا

برعاية أبو المقاومة الروحية الشيخ حافظ سلامة

..

و نصبوا الكمائن

عند جنيفة و المثلث و الهاويس و الزيتيات ..

و بدأ العدو مع صباح 24 اكتوبر 1973

هجوم بالمدفعية و الطيران

 في كل ركن في السويس

إلي أن دكوا المحافظة بأكملها

ما عدا بعض الأماكن

في إتجاهات معينة لم يدكوها

فأيقن المقاومين انها ممرات دخول الدبابات

و مدرعات الجيش الإسرائيلي إلي المدينة

 و كانت الخطة تركهم يدخلون لوقت ما

و كأن المدينة خاوية ثم تبدأ المعركة  ..

و بالفعل بدأ دخول المدرعات الإسرائيلية

و عليها مجسمات بلاستيك

علي هيئة جنود الجيش الإسرائيلي

 ليقع المقاوم في الفخ و يطلق النار

فيعلم جنود الجيش الإسرائيلي مكان إطلاق النار

فيدافعون عن أنفسهم

و يطلقون النار إتجاه المقاومة ..

و لكن مع عدم الرد علي الدبابات الإسرائيلية

و تركها تدخل المحافظة بسهولة

إلي أن وصلوا إلي المثلث و جاءوا من الهاويس

 و كانوا يفرضون حزاماً أمنياً علي المحافظة

حتي السخنة ليؤمنوا أنفسهم و يسهلوا مهمتهم ..

و بعد فترة من السكون

 أحس الإسرائيلين أنه لا يوجد أحد في المحافظة

و أنهم نجحوا في إحتلال السويس

و قلب موازين المعركة مع المصريين ...

حتي أنهم خرجوا من دباباتهم و بدأوا يأخذون

الصور التذكارية أمام دباباتهم ...

 و هنا بدأت المعركة ..

بين المقاومة الشعبية في السويس

 250 فرد بأيديهم وفتات السلاح

و بين جيش الدفاع الإسرائيلي ..

بعد إطلاق نداء متفق عليه بين أفراد

المقاومة .. " نسر "  ... بدأت المعركة

و قام ابراهيم سليمان بضرب الدبابة

بسلاح آر بي جي و لكن لم تصيبها

فجهز سلاحا آخر و أطلقه

و أصاب الدبابة في مقتل ففجرها

و تطاير الجنود الموجودين بها ..

فأخذ ابراهيم يصفق لنفسه و يرقص

و هو يضحك و يقول " يا أبو خليل يا جن "

مما زاد من لهيب المعركة حماساً ..

و عند خروج أحد قائدي طاقم الدبابات

 أطلق قناوي آربي جي علي مدرعة

لكن لم تصيبها مباشرة

 ولكن تسببت في مقتل قائد الطاقم

الذي خرج ليرد علي ضرب النار

فأصاب سلاح آر بي جي رأسه فقطعها

فدخلت الرأس إلي الدبابة فصرخ الجنود

 و حدث إرتباك شديد في صفوف

الدبابات و المدرعات

حتي أن كثير منها دمر بسبب الرعب و الخوف

مما جعلهم يهربون بعشوائية

 فتخبطت كلها في بعضها من الخوف و الرعب

و ركبت فوق بعضها و هي تحاول الهروب

و كل هذا و معظم طواقمها خارج الدبابات

 لإلتقاط الصور التذكارية !!

مما تسبب في عطل كثير من الآليات و الدبابات

..

و ماتبقي حاول أن يضرب في إتجاه ضرب النار

لكنه كان متعدد المصادر ..

و من المفارقات أن آلية حددت مكان ضرب النار

و أرادت إطلاق ضربة موجعة للمقاومة

ولكن أمر الله أن يسقط عامود التوجيه للضربة ..

و كانت المقاومة تتمتع بذكاء شديد

غير موجود عند القادة العسكريين ..

 كان العواد فقط يقوم علي ثلاث كمائن دفاعية ..

يضع هنا سلاح و في مكان آخر قريب سلاح

 و في مكان ثالث سلاح ..

و يضرب من هنا

و في جنح الظلام يذهب سريعاً

للموقع الثاني ليضرب منه

و كذا الموقع الثالث

فيتبين للجيش الإسرائيلي

أنها نصف كتيبة صاعقة تقاومه ..

و هرب الجنود الإسرائيلين

 و تجمعوا في قسم الأربعين

 بسلاحهم الشخصي و ذخائرهم

و لم يكن أمامهم إلا الإستسلام

حفاظا علي حياتهم بعد معركة

قتل فيها منهم الكثير و من المقاومة

 أستشهد البطل الشجاع ابراهيم سليمان

في طلقة غدر بعد أن رفعوا الراية البيضاء ..

و حاولت المقاومة التفاوض معهم

لكنهم رفضوا التسليم

 للواء الصاعقة المصري المرابط في الخارج

 و أخبرهم الجميع

أنه لا يوجد سوي أفراد المقاومة

 لكنهم لم يصدقوا  ..

 انها المقاومة خيرة شباب مصر والسويس

 منهم المهندس و الدكتور و النجار و المسلم

و المسيحي ..

و ظهرت بطولات ميمي سرحان و ابراهيم سليمان

و العواد و قناوي .. و غيرهم ..

و قام المقاومين بعد إستسلام جنود الإحتلال

الإسرائيلي بإعطاب آلياتهم جميعا

 حتي لا يعاودوا إٍستخدامها ..

 و إنتصرت المقاومة علي إسرائيل

و عادت مدرعاتهم أو ما تبقي منها

إلي خارج المحافظة

و تم عقد إتفاق الكيلو 101

لتوفير المؤن الغذائية لأهالي المحافظة

و الدواء والغطاء حيث كنا في أوائل الشتاء

 و اقتحم البرد أجواء المحافظة ..

و لأن إسرائيل فشلت في قلب موازين المعركة ..

معركة الوجود و حلم إسرائيل الكبري .. كانت

مغتاظة إلي حد كبير و فرضت حصاراً عسكرياً

شديداً علي أهالي السويس ما يقرب من 100 يوم

لا يمر الغذاء ولا الدواء و لا الغطاء الكافي

 و كانت إسرائيل ضربت ثلاجة الغذاء

و ضربت ترعة المياه المغذية للمحافظة

و بعد الإتفاق علي نقل المؤن للسويس

 كان الجنود الإسرائيلين يستولون علي الكثير

 من هذه المؤن بحجة

 أنها تنقل أسلحة للمقاومة  أو أنها مسممة

و ذلك أمام أعين مراقبة دولية ..

حتي أن السويس عانت من مشكلة المياه

و لكن الله وقف مع هذا الشعب

 و تذكر أحدهم وجود بير مياه منذ 120 عام

كان والده يحكي له عنه و يوجد في منطقة الغريب

..

 و عندما عادت السويس للبير لم يكن قد جَف

 و الحمد لله ثم بعد فترة تحسنت الأمور

بعد أن إعترضت مصر لدي الأمم المتحدة

علي الحصار رغم وقف إطلاق النار

 و تدخل الجيش لدي مجلس الأمن

و طالب بتأمين طريق كامل

لنقل المواد الغذائية و الشراب و الدواء للمحافظة .....

و هنا نعود للنواحي الإنسانية لأبطال القصة :

( العواد )

هو إنسان حالم فنان أبوه فلاح و أمه صعيدية

 و كل منهم كان يحمل أجمل ما في هذه الجينات

فتعلم العواد منهم الكثير الذي أثر فيه

لدرجة إكتشافه فنان بداخله

يميز الألحان الجميلة

و كان لدي والده عود

 أهداه له أحد بشوات المنطقة

بعد أن أقام حفلا غنائيا له ..

و كان مميز وغالي و ثمين

فحافظ عليه الوالد رغم انه لا يعزف عليه

 و كان له أخ يعزف عليه و لكن ليس جيدا

لإختلاف يد الزارع الذي يشقي في الأرض

 لتزرع و تحرث و تحصد عن يد الفنان ..

و لكن مع نعومة أظافر العواد وجد نفسه

يتعرف علي أوتاره و بدا مرتبكاً في البداية

 و لكن سرعان ما تطور

و أصبح ماهر في العزف عليه ..

و كانت مأساته تتلخص

في أنه أحب إمرأتين علي التوالي

 أحبهما حبا كبيرا

و كان كلما إقترب من الزواج منهما

 يحدث شئ يعوق إتمام هذه الزيجات

.. الأولي مرضت ثم ماتت و الأخري ماتت فجأة  ..

فعزف العواد عن الزواج بأخري

و أفضي بحزنه كله

في أغاني رومانسية حزينة و أغاني وطنية ..

اي أنه كلما إقترب من الفرحة و تحقيق الحلم

 وجدالحزن و الأسي

و لكنه بطل من أبطال المقاومة الشعبية ....

( ميمي سرحان )

صعيدي حتي النخاع عصبي جداً

و دائما يتعارك ويتخانق علي أتفه الأسباب

و لكنه حقاني جداً و لا يظلم

و لكن سريع الغضب بسبب نزعته الصعيدية

و عائلته الكبيرة الموجودة في السويس

 منذ زمن بعيد ..

حيث أتي جده الأكبر من قنا

هو و أولاده للزراعة في السويس والعيش بها

 و كان له أولاد كثيرة منهم قلعاوي , برهامي

... و تزوجوا بنات عمهم و أنجبوا أولادا

 كان من بينهم ميمي

و كان بين الحين و الأخر يذهب

ميمي للصعيد لزيارة الجد الأكبر

و هو فرع العائلة الموجود في قنا

وكان ميمي يحب مجالسة هذا الجد

 ليتحاور معه عن الذكريات ..

و تحدث الجد إلي ميمي

و قال له أنه كان جندياً في جيش محمد علي باشا

 و تعلم أصول العسكرية التي كان يحبها

 و لكنه ترك الجيش و هرب بعد الظلم

 الذي لاقاه في الجيش التركي إسماً و قائدا

.. محمد علي ..

و لكن المصريين كانوا يقاتلون

بلا شرف أو مبدأ لصالح محمد علي

 فتركت أنا و كثيرين جيش العثمانيين

و عشنا طويلا في الجبل كمطاريد

 إلي أن إختلفت الأمور

فنزلنا من الجبل للزراعة علي النيل

و عشت و كبرت في أراضينا

و كان لا يوجد بيننا مسلم أو مسيحي

أو  حتي يهودي و لكن كان الجميع مصريين

حتي أن بعض زيجاتنا

كانت لا تقف عند حدود الدين ..

كنا نتزوج و نأكل و نشرب معاً من بعضنا

 لأننا نعيش حياة واحدة علي أرض واحدة

 لذلك يوجد بعض من أجدادنا قبطي أو يهودي ..

و كان ميمي يرد علي جده بأن كلنا أخوة مصريين

و الحمد لله أن هذه الروح مازالت مستمرة

و يوجد لدينا في المقاومة الشعبية

مسيحيين أقباط و هم من خيرة البشر .....

( قناوي )

هو صعيدي أصيل مثل ميمي

 و لكن أصوله تمتد للسودان

و يخبره جده الأكبر

 ان مصر و السودان كانت واحداً في كل شئ

و الآن لم تصبح واحداً في كل شئ

كانت السودان تزرع لنا لنأكل

و نحن نصنع للسودان كل شئ

و لكن الإستعمار و الخونة

أخرجوا الروح من الجسد فلم يعيش الإثنان ..

..و كان قناوي هادئ و عاقل و رزين

به من الدهاء أكثر من أي شئ

رغم طيبته الشديدة

و لا يدعو أبداً للمشاكل بل يقوم بحلها

و بمهارة ..

فهو كان كبيراً رغما عنه فهو إن صح التعبير ..

 بمثابة شيخ الحارة أو كبير العائلة و قاضيها

و كان يتميز بذاكرة فولاذية

و كان له حس عسكري

.. كان يلمح الجواسيس من أعينهم

و لطالما قبض علي جواسيس

يدعون أنهم مصريون

 و يريدون الإنخراط في المقاومة

لنقل أخبارها لليهود

.. و كان ذكي جدا

لا يقبل أحد في المقاومة

 إلا و وضعه تحت إختبارات كثيرة

 كبيرة وصغيرة و يسأل عنه في بلده

و يضعه تحت المراقبة لفترة دون أن يشعر ..

و ذلك قبل أن يوكل له مهمة و لو صغيرة ..

أي أنه في حال آخر

كان سيصبح قائداً عسكرياً ماهراً و فذاً

و قائد ميداني مهم ...

و كان مثال حكمته و فطنته و حكمه ..

 قضية حدثت أيام الحصار

حيث كان يوجد بعض الجواسيس

بيننا تحاول الحصول علي أي معلومات

 عن حياة الناس و أماكن تجمعهم و أكلهم

 و غير ذلك لنقلها لليهود ..

و قبض علي أحد المشتبه بهم كجاسوس

و لكن بسبب فعل آخر و رغم أنه مصري

و لكنه لا يحب وطنه

و كأنه يعترض علي إرادة الله فيه

و حاله كان الفقر الشديد

و ضعيف الشخصية و لم يتربي بشكل سليم

 فأمه كانت من الهاويات

فقتلها أبوه و أخذه

 لتربيه مرات أبوه التي عاملته بقسوة وشدة

 و كانت تفعل معه بعض التصرفات

الجنسية المشبوهة و هو صغير

 لأنها كانت الزوجة أصغر من والده كثيراً ..

ثم جاءت الغارات التي أودت بحياة والده و زوجته

و تركته شاباً يعمل يوماً و لا يعمل أيام أخري

و لكن هذا كان حال جميع الشباب ..

و كان يذهب ليلاً ليسرق أو ينهب

ما يسد به قوته ..

و وجد الحرب فرصة وملاذاً له

في إستغلال ظروف الناس في الحرب

مثلما إستغلته الدنيا و هو ناقم عليها ..

و بدأ في جلب مواد غذائية " سكر , زيت ..."

بالسرقة أو بالسحت و بيعها بأضعاف ثمنها للناس

و رغم ذلك كان معروفاً لدي الجميع

لأنه بيعرف يتصرف

و يأتي بالمواد الغذائية التي تحتاجها الناس ...

و لكن كان السر وراء ذلك

أنه كان يتعامل مباشرة مع الجنود الإسرائيلين

فيأخذ منهم بسعر و يبيع بسعر آخر

مما أثار ذلك  ضيق كثير من الناس الوطنية

 و أيضا التي لا تملك ثمن هذه المواد التي يبيعها

و رغم وجود هذا المستغل المحتكر

 كان هناك أناس من خيرة أهل الأرض

و تراهم أحيانا جنود الله

في نشر الحب و التعاون و السلام و التكافل

 و مراعاة حاجة الإنسان في عز الضيق ..

 و هكذا من مبادئ ..

و لكن نذكر هذا الخائن العميل

لنوصله لنتيجة أعماله

وإستغلاله لعلاقته باليهود المحاصرين لبلده

و متاجرته في غذاء الشعب المحاصر

إلا أن الله عاقبه علي أفعاله

 و لكن بسبب آخر فهذا الجاسوس

 لم يكتفي بما فعله

وإرتكب فعلة شنعاء بالأعتداء

و إغتصاب بنت من بنات الفلاحين

الذين لم يخوّنوا بسذاجة

 بعضاً من تصرفاته الصبيانية المشبوهة

و قام بأعطاء البنت حلوي منومة

و إعتدي عليها و كان فرحاً مزهواً بنفسه

و كأنه لم يفعل شيئا ..

و بعد أن عادت البنت لتحكي لأهلها عن ماحدث

فما كان من ميمي إلا أن أخذ سلاحه الأبيض

و ذهب للخائن في منزله

و دون أي حديث قام ميمي بقتله و ذبحه

 ففرحت البنت جدا لأخذه بالثأر لشرفها  ..

و أحس قناوي بخطورة الموقف المعقد أساساً

 و حتي لا تحدث الفوضي

قرر قناوي إقامة محاكمة عادلة لهذا الشخص  ..

فإن قررت المحكمة أنه متهم فقد لاقي ما يستحقه

و إن كان برئ وجب علي ميمي دفع الدية

 وذلك حتي لا تحدث فتنة في وسط الأهالي ....

( ابراهيم سليمان )

مهندس ناجح متميز يعمل في أكثر من شركة

 فهو كان إستشارياً بسبب تفوقه الدراسي

فكان دائم التنقل بين السويس و القاهرة

 و الأسكندرية ..

و كان إنسان متواضع متفاني في عمله

 لا يهمه المقابل المادي

و لكن يهمه المنفعة العامة ..

و كان رقيق المشاعر مهذب

أقرب في مزاجه من الناقد الفني

لإحساسه المرهف و تذوقه الفني ..

و كان يحب " فـُتنة "

و هي إنسانة جميلة رقيقة

من حال تحت المتوسط

و لكنها أنجزت شهادة

أصبحت بها مُدرسة و أخوتها كثيرين ..

و والدها كان يعمل ناظر مدرسة

و لأنه في ظل الحرب

لم توجد مدارس في السويس

فذهب بها إلي الزقازيق

و عاشوا هناك و بعد فترة

خرج والدها علي المعاش

 و ظلت هي مدرسة هناك ..

و كان ابراهيم يذهب إليها بين الحين والآخر

 لأنه يحبها بشدة وهي أيضاً

و كان ما بينهم حب نظيف رقيق ..

 يحس كل منهما بالآخر و يحترم الآخر

 و كانوا وطنيين شرفاء

لم يستطيعوا أن يفاتحوا بعضهم في الزواج

 علي هذه الأحوال

و هم متغربين عن بلدهم الأصلي

حيث كانوا جيراناً

و يرون بعضهم كل ساعة وكل يوم

ولكن بعد الحرب و الهجرة

 أصبحت الرؤية متباعدة

و لكن الحب أقوي و أهم و أولي من الزواج

 الذي يحتاج للإستقرار من جميع النواحي

 لذلك تركوا أنفسهم للحب دون زواج

حتي يتغير الوضع

و يصبح زواجهم هو مكافأتهم علي حرية البلد

 و لكن رغم أزمتهم كان حبهم نظيف و طاهر

و شريف تحمل أعينهم بريق و لمعان و أمل

 و خير و سعادة قريبة أقرب مما يتخيلون ..

و جاءت غارة إسرائيل علي مدرسة بحر البقر

لتقضي علي حلم ابراهيم سليمان

حيث كانت فتنة تعمل هناك

و ماتت ومعها 34 طفل و طفلة ..

فاحس ابراهيم بإنتهاء حياته و آماله

مع موت فتنة

و أحس بأن وطنه مصر سيموت أيضا

إن لم يوهب نفسه وحياته

وجسده للدفاع عن بلده

و الأخذ بثار فتنة

و بالفعل فعل ما قاله

و إستحق عليه لقب البطل الشهيد

في المقاومة الشعبية بالسويس ...

و بعد إنتهاء العرض

نعود للعواد في الزمن الحديث

و هو يدمع و يقول

نفس كلمات الأغنية التي رددها أيام العدوان

 " مصر تبحث عن نفسها في عيون أبناءها "

 ثم توقف و قال في نفسه

أنه رغم كل ما مر علي مصر

ساعد علي ظهور طيبة أهلها و أصلهم النقي

 و معدنهم الذي يظهر عند الشدائد

و كان قوامها الناس شعوب و قبائل

تعارفوا و أتقوا الله في وطنهم ..

 و كان خروج المصريين في فترة ما بعد النكسة

كان خروج من الحلم الواقعي إلي الواقع المؤلم

 و لكن كان هناك بعضاً من الإرادة

و النجاح السابقين من ثورة عسكرية

 غيرت الواقع من ملكية فاسدة

إلي جمهورية متحدة ..

و ثورة صناعية شهدت لها كثير من دول العالم

التي طلبت في ذلك الوقت الإستفادة من تجاربنا

و خبراتنا مثل ... ماليزيا و أندونيسيا و الصين

 و ...

و الآن هم أصبحوا أين و نحن أصبحنا أين .. ؟

 

و منذ عام 1952 إلي عام 1967 :

الميزات .. افراح و إنتصارات

و إسترداد الثقة في النفس

 و العمل و الإتحاد و النظام

و طرد الخائن العميل

 

العيوب .. فساد النفوس

و حكم البشر علي البشر دون قواعد محددة

 كما أن سوس الملكية كان دائم النخر

 في عظام البلد و الثورة

و هجرة الكثير و الكثير

 بعد إستتباب الوضع و الحكم للجيش ....

 

و منذ عام 1967 إلي عام 1973 :

قبل إنحلال عقد البلد تجمعت الخيوط و الحبات

لتصنع عقدا من الإرادة والعمل علي محو الهزيمة

و إسترداد الأرض و تجمع الشبان و الفتيات

و الرجال و السيدات و العجائز والأطفال

 في طهر و نقاء في سبيل الله و تحرير الوطن

 و حدث لهم ما عملوا عليه طوال 6 سنوات

و كافئهم الله علي مجهودهم

و عادت مصر حرة أبية  و جميلة ..

 

و منذ عام 1973 إلي 2014 :

سرعان ما عادت ريما لعادتها القديمة

 و ظل السوس ينخر عظام الوطن

وعادت النفوس الفاسدة

و عاد حكم البشر علي بعضهم ..

و إنحل عقد المجتمع و تفككت أوصاله

و أصبح الشباب تافه

و أنفصل عن جذوره و طينه

فضل الطريق و فقد الإنتماء

و أصبحت الهجرة فرضاً عليه

و اليأس والإحباط الناتج من عدم الإيمان

و فقد الثقة في النفس تماما

لأننا ببساطة لانزرع شئ و لا نصنع شئ ..

و جاء سؤال العواد و هو يبكي ..

ماذا لو لا قدر الله ..

 حدث الآن ما حدث في النكسة ؟!

من سيدافع و من سينظم

و من سيضحي بحياته من أجل بلاده ..

أعلم أنكم موجودون و لكنكم قلة نادرة

و بينكم و بين بعضكم أسواراً

و سدود من الجهل و التخلف

و الإنقسام و الطمع و الخوف غير المبررين ..

و أحس بالحزن الشديد

و بدا كأنه يصارع أنفاس الموت

و لم يتذكر سوي شريط حياته

و توجه بالسؤال إلي الله ..

أنا عبدك و أردت وجهك منذ زمن

و لكن لماذا أعيش للآن 

و زملائي الذين ماتوا مكرمين عندك ؟!

ومر أمامه شريط حياته

بعد إنتهاء الحرب مباشرة

حيث كان هو و زملاؤه

مفعمين بالأمل الكبير في إصلاح أحوال البلد

ثم حدث الإنفتاح الفاسد

الذي تسبب في فساد النفوس فأحبطه

 ثم عمل موظفاً و بدأ ضيق ذات اليد

و ضيق العيش ..

ثم قتل السادات و حزنه عليه

لأنه البطل الذي حارب

و لم يترك أرضه للمحتل ..

 ثم مبارك و عدم مراعاته للشهداء

و لا الأرامل و لا الأبناء بما يليق بهم ..

كان المعاش ضئيل

و المكافآت صغيرة و الميزات قليلة ..

 ثم سرعان ما تم إنكار

حق الشهداء علي وطنهم و دورهم في الحياة ..

التي قامت في مصر بعد الحرب

علي أسس غير سليمة و بشكل غير سليم

و به فوضي وإنهيار و لا مبالاة و فساد إستشري ..

و رأي العواد معاناته في الحصول علي المعاش

ومعاناته في حصول أبنه علي وظيفة

و عدم وجود مصدر دخل

يضمن له حياة كريمة بعد ما كل ما قدمه للبلد ..

 و رغم ذلك البلد تصرف فلوس كثيرة

جداً في هيافات و بشكل هيستيري ..

ثم ثورة الشباب الهوجاء

و التي لم تؤتي ثمارها

لأنها لم تخطط جيدا لنفسها

ثم محاولاته و هو كبير

 أن يشترك مع الشباب في صرختهم الثورية

و لكنه وجد الأمر فوضوي كارثي

و الحرق والدمار هو السائد

و ليس البناء والتعمير

و أحبط مجدداً

و قرر عدم الخروج و أنزوي علي عوده

يغني بحزن شديد

 و هو حزين كل الحزن علي مصر ....

و رأي أخوه ميمي و قد مات منذ زمن

و هو في آوائل الخمسينات من عمره

و لم يبقي من أصدقاؤه سوي قناوي

الذي أنزوي هو أيضاً عن الأنظار

و وضع حزنه بداخله ..

 و لم يلحظ عليه أحد هذا الحزن

لأنه إنسان قوي

و لكن عيناه كانت تحمل رفضاً شديداً

 لما يحدث في البلد ..

و عندما حاول العواد

أن يوضح للشباب الهائج الثائر

أصول الوطنية والفدائية

من أجل البلد و لصالحها فقط

وجد الفارق بينه وبينهم كبير

فهو يحتاج أولا أن يعلمهم معني الوطن

 ثم معني الإنتماء ثم معني التضحية

في سبيل الله و من أجل الوطن ....

فبكي بدموع كثيرة ظلت علي خده و مات ..

و مازال ضجيج الشاع حوله رغم دخول الليل !!!!

                

             النهاية ...