الأحد، 3 أبريل 2016

المنسيون

طفل لقيط ملقي في ناصية حارة جانبية في منطقة سكنية

فقيرة ومأهولة .. و من تركه كان يبغي أن يلتقطه أحد

المارة لرعايته و سواء كان من تركه أبوه أو أمه فإن

السبب الواضح هو الفقر الشديد الذي يجعله عاجزين

تماما أن يوفروا قوت أطفال رضع .. فضلا عن قوتهم

اليومي ..

و كان الطفل ملقي قبل الفجر و مر عليه ناس كثيرون

جميعهم لم ينتبهوا لوجود طفل رضيع علي الأرض و

تحس كأنهم متعمدين ذلك إلي أن بزغ أول ضوء نهار

صباح إلتفت إليه شاب ناضر واعد إسمه " ابراهيم " و

تأثر حزنا علي الطفل اللقيط .. فإلتقطه محاولا إسكاته

من صراخه المستمر ثم حمله وذهب إلي المستوصف

التابع للمنطقة لمساعدته بإعطاءه حقنة لألمه أو سد

جوعه بجرعة لبن ..

و سأل إبراهيم عن إمكانية أن يستضيف المستوصف هذا

الطفل لرعايته و لكن رفض مسؤلو المستوصف فعل ذلك

وإعتبروها مسئولية كبري لا يريد أحد منهم تحمل

مسؤولية الطفل الرضيع اللقيط الذي لا يوجد له إسم و لا

شهادة تثبت شخصيته و رفضوا رفضا قاطعا

و كان إبراهيم ذاهبا إلي عمله و لكن رؤيته للطفل جعلته

يغير من وجهته بعد أن سأل نفسه سؤال .. ماذا لو كان

إبراهيم نفسه في مكان الطفل البرئ و ماذا كان سيحدث

لو مر ابراهيم علي الطفل ولم يهتم و لم ياخذ الطفل معه

و ماذا كان سيحدث للطفل إن لم يمر أو تكاسل عن

الذهاب للعمل في هذا اليوم ماذا سيكون مصير الطفل إن

الله أرسلني إليه لأنقذه وارسله لي خيرا و ما سأفعله فيه

سيكون لوجه الله ..

و قرر ابراهيم أن لا يمر اليوم دون أن يكون مكان للطفل

و يأكل و ذهب ابراهيم بالطفل إلي الملاجئ و لكن لم

يوجد أماكن بها ثم ذهب للمستشفيات لرعايته فلم

تستقبل الطفل .. ثم طرأت له فكرة الذهاب لوزارة

الشئون الإجتماعية فوجد فيها فوضي وتهريج ثم أمل أن

يذهب لوزارة الأوقاف فلم يجد العون أو المساعدة فتعب

و أرهق وقرر أن يعود للبيت و لكن ماذا يفعل بالطفل

فهو لم يتركه وقرر ألا يتركه و في نفس الوقت هو

خائف من أسئلة والده ووالدته الكثيرة عن سر إرتباطه

و تعلقه بالطفل و ما هي علاقته به ليرعاه ويهتم له ..

و لكن ابراهيم جرئ و مخلص و ذكي وقوي

الشخصية و قوي الحجة و الرأي وطيب جدا ..

قرر أن يأخذ الطفل معه للبيت ويحكي لأهله عما

حدث و أنه أتي به ليأكل وينام فقط اليوم ثم يذهب

غدا محاولا مرة أخري ليتدبر أمره في مكان يرعاه

فذهب للبيت و قابل والده السيد موسي و هو

مصري من أصل يهودي و هو خادم معبد اليهود و

هو علي الديانة اليهودية و لكنه يعيش في مصر

منذ ولادته و لا يري أرضا غيرها وطن له و يتمتع

بعلاقة طيبة مع جيرانه و أهل الحارة لما يتميز به

من خلق رفيع هو وعائلته و مختصرين عن الناس

في الحديث فيما لا ينفع ولا يضر و يتميزوا

بالإنزواء عن السياسة تماما و تجنب مناقشات

مقارنة الأديان  ..

هو فقط يتعامل مع الآخر بما تربي عليه من قيم وأخلاق

و إعتزازا بأصله النبيل في مصر بلد الخير والأمان كما

يراها فهو يقول أنه .. إبن وطن ذكر في جميع الأديان

السماوية ..

و جاء ابراهيم لوالده في الليل فسأله موسي عن سر

تأخره فحكي ابراهيم و إنزعجت والدته كثيرا مما حدث

قائلة نحن في حالنا دائما و انت تأتي لنا بأشياء لا

تخصنا ليأتي لنا منها سوء و خالفها السيد موسي الرأي

و قال لها ..

من قال أنه سوف يأتي بسوء لنا ألم تعرفي أن الله يخلق

الدابة ويخلق لها رزقها أتركه يا ابراهيم إن غدا لناظره

قريب و كان ابراهيم وزوجته قد رزقا بابراهيم بعد فترة

من زواجهم و عدم حمل لدرجة أنهم يأسوا من أن

ينجبوا و لكن شاءت إرادة الله أن يعطيهم ابراهيم علي

سن كبيرة قليلا ثم عادوا لعدم الحمل رغم حرصهم علي

عمل عائلة كبيرة ..

ثم نظر موسي إلي الولد الرضيع فوجد فيه براءة و

حلاوة و بشاشة وجه جعلته لا يرغب في أن ينام بعيدا

عنه و قرر أن ينام معه اليوم هذا الطفل و أخذ يهدهده

قليلا بعد أن شرب اللبن الصناعي و نام علي كتفه و

وضعه في سريره و نام الطفل نوما هنيئا بعد يوم

عصيب ..

و أخذ موسي ينظر للطفل و هو شارد الفكر في فكرة

طرأت عليه .. لماذا لا يقوم بتربيته هذا الطفل الجميل

لينشأ بين عائلة و يكون أخا لأبراهيم و إبنا لي

ولزوجتي فقد حرمنا من أن تكون لنا عائلة و لكن لن

نتبناه بل يعلم الجميع أنه ليس إبنه من صلبه ولكن إرادة

الله أختارت أن يتولي هو رعاية هذا الطفل و كأنه إبنه ..

و أيضا أراد أن يثبت بالدليل أن الدين اليهودي هو دين

تسامح و إنسانية وتقبل الآخر خصوصا في زمن كثرت

فيه الفتن والشائعات و تأذي أصحاب الرسالات

السماوية و الأديان من أصحاب المصالح والمنافع ..

و نظرا للأحداث السياسية و توتر الأوضاع في فلسطين

كان لذلك رد فعل علي ابراهيم وعائلته يختلف تأثيره

طبقا لجهل خصومهم الذين يحملونهم إثم دولة الظلم و

العدوان " إسرائيل " و يأخذونهم بذنب هؤلاء و

يغيرون من معاملاتهم مع ابراهيم وموسي و قد

ينهرونهم وقد يسبونهم .. و كل حسب إدراكه أو فهمه و

ربطه للأمور ..

قال موسي في قرارة نفسه قد يكون ما سوف أفعله قد

يقرب المسافات بينه وبين من حوله لتعود الأيام الجميلة

أيام زمان أيام الخير و الوفاء والكرم والتسامح و

الرجولة و الشهامة ..زمن جميل ليته يعود و إن كان في

يدي شئ لماذا لا أفعله يا رب ساعدني أن أصل لقرار

حكيم و نام موسي من كترة التفكير و لم يشعر بنفسه إلا

في اليوم التالي إستيقظ علي صراخ الطفل الشديد ..

وكان ابراهيم ذهب للعمل فأيقظ موسي زوجته و حاولت

إسكات الطفل عله ينام ولكن إستمر بكائه فذهبت و

صنعت له لبن ولكنه لم يشرب و واصل بكاؤه و فكان

أخيرا أن يغيروا له حفاضته لأنه به إلتهابات و غسل

موسي و زوجته الطفل وأحضر علبة كريم ملطف و دهن

بها جسم الطفل و كانوا يفعلون ذلك مستغربين ما يفعلوه

في سنهم إلا أنهم كانوا فرحيين .. و بعد كل هذا لم

يصمت صراخ الطفل فأقترحت زوجة موسي عليه أن

يذهبا به للمستوصف لعله مريض ويحتاج العلاج ..

و قالت الممرضة بعد رؤيتها الأولي للطفل أنه يحتاج

للغذاء وأن اللبن الصناعي لا يصلح لرضيع مثله

الصحيح له هو لبن الأم أو لبن الثدي .. لأن الرضيع

يحس بمغص شديد و يحتاج للبن الأم لتعمل أجهزته

بطريقة سليمة ..

و عاد موسي وزوجته و هم محتارين ماذا يفعلون و

بسرعة قال موسي في نفسه ما قد قاله بالأمس و

تصرف علي أنها رسالة ربانية في أن يعتني بهذا الطفل

و إتصل بأحد قريباته الموجودين في مصر و طلب منها

أن تأتي لترضع الطفل و كان موسي حريص علي أن

يكون الولد يهودي الديانة رغم أنه ليس إبنه و رحب

جميع أقرباءه بفكرة الوالد رغم بعض التخوفات

والتحفظات و لكن قالوا أن نيتهم خير والله أعلم بما في

قلوبهم و سوف يوفقهم لما فيه خير لنا و لديننا و لأهلنا ..

و مرت الأيام و كبر الولد و أصبح عمره 9 سنوات و

هنا حدث حدث عظيم أثر في حياته كثيرا ..

إزداد الجهل والتخلف و أصبح العنف والقوة لغة تفاهم و

حصول علي الحقوق بل إنتزاعها أحيانا و قل الضمير

كثيرا و إزدادت المحارم و تنوعت و لكن الولد في

عائلته يعيش سعيدا قانعا بما قسمه الله له راضيا بما

كتبه عليه .. ذهب رجل يدعي عيسي إلي السيد موسي

حاكيا له تاريخ حياته بعد أن تعرف به و عندما سأله

موسي عن سبب أن تحكي لي تاريخ حياتك قال له

عيسي أن سبب ذلك أن نهاية قصتي أن الولد الذي تربيه

هو إبني و أنا أريد أن أسترده ليعيش معي فقد تغير

حالي تماما و أصبحت أملك ما يجعلني أعتني به جيدا و

كانت صدمة للسيد موسي و رجع لبيته بعد أن تقبل كلام

الرجل من حيث المبدأ و دعاه إثبات صحة ما يقول و

إعطاءه الفرصة ليفكر بالموضوع ولكنه وعده إن أثبت

صحة نسب الطفل له سوف يعطيه له ..

و عاد موسي للبيت و حكي لأهله ما حدث فلم يستطيعوا

أن يصلوا إلي حل و ناموا ليلتها في حزن عميق و لكن

لم يشعروا الولد بأي شئ ..

و بعد عدة أيام وجد السيد موسي أن عيسي يقف مع

الطفل ويتحدث إليه فتضايق موسي وذهب لعيسي

غاضبا محذرا إياه أن يقترب من الطفل و ذهب عيسي و

بعد عدة أيام جاء عيسي إلي موسي وطالب أن يتحدث

معه و طلب موسي منه أن ينتظره عند باب المعبد

اليهودي في الخارج و دار حوار طويل حول الطفل

أنتهي إلي أن قام موسي بصفع عيسي علي وجهه بعد

إتهامه بأنه يريد الإستيلاء علي الطفل .. وقال له عيسي

ما سر حرصك علي الا تخبر الولد عن سر أبيه أنه عاد

أتريد إستخدامه ليعمل عندك أم تريد الإتجار به أم تريد أن

تخرجه من ملته الأصلية المسيحية ليعتنق اليهودية ..

 

فقام بصفعه و ذهب عيسي مسرعا إلي الكنيسة التابع

لها والتي يصلي فيها كل قداس الأحد و أخبرهم كذبا أن

موسي اليهودي خطف إمرأته و إبنه و هم عنده رهائن

و أنه يشك في أنه قد أذي إمرأته أو إبنه ..

فإندهش أبناء الكنيسة و أنزعجوا ولكنهم أرادوا فهم

الحقيقة فأرسلوا وفدا منهم إلي موسي للتحقق مما حدث

وذهب معهم عيسي .. و عندما حكي موسي الحقيقة لم

يصدقه الوفد لأنها قصة مغايرة تماما عما أدعي عيسي

و كذب عيسي كل كلام موسي مما دعي موسي للتحدث

بعصبية وهياج فهو رجل كبير ف السن حد ما و جاء

ابراهيم لأبيه و أحس الوفد المسيحي أن موسي اليهودي

يمكر عليهم و عندما تعقدت الأمور و لم يأتي حل و علت

الأصوات أمام المارة ..

حاول عيسي أن يرد الصفعة لموسي و لكن ابراهيم

تصدي لعيسي و منعه ودار عراك بالأيدي سرعان ما

أنفض بعد أن لقن ابراهيم عيسي درسا كبيرا ..

و قام المارة بالفصل بينهم و هم يسبون بعضهم و

الكراهية في عيونهم و عندما علمت زوجة موسي بما

حدث أحست بالخطر و صارحت موسي بأن والد الطفل

عيسي لن يترك حقه في طفله فلماذا لا نتركه له و يعلم

الله أني أقول ذلك وأنا أتألم .. و نقلت الزوجة إحساس

الخطر إلي موسي وابراهيم    و خاف ابراهيم علي والده

ووالدته و أقترح عليهم أن يتركوا البيت وينتقلوا مؤقتا

لمحافظة أخري عند أقربائهم أو حتي السفر لأسرائيل

طالما ليس لنا عيش هنا ..

و لكن موسي صرخ ف الجميع و قال أصمتوا كلكم

وذهب إلي النوم و قلقلت الزوجة وأبرهيم وقررا أن

يصارحا الولد بحقيقته و أن عليه أن يختار ويبلغ

إختياره لعيسي غدا ..

و إنتصف الليل و قبل أن يدخل الجميع في نوم عميق

وجدوا أن المنزل يتخبط و يقذف بالحجارة و النيران

بدأت تشتعل من مئات من المسيحيين الشبان يقفون مع

عيسي إبن ديانتهم الذي يريد إنقاذ زوجته وطفله من

بين أنياب اليهودي المختطف و كانت مفاجأة صادمة

لعائلة موسي ألجمت قلوبهم و ألسنتهم و قبل أن تحدث

مجزرة تدخل الولد ليقول أنا أدافع عن أبي الذي رباني

" موسي " ولم يتركني و أقل ما أفعله إتجاهه أن أحافظ

له علي حياته هو وعائلته سأذهب معك يا والدي عيسي

و لكن أين أمي أنا لم أراها منذ ولدت و هنا سكت عيسي

و لم يتحدث و خلال رحلة العودة مع عيسي سأل الجميع

عن زوجة عيسي و لم يستطع إخبارهم شئ حقيقي ..

و بان كذب عيسي أمام الجميع فموسي أعطاهم الولد

بسهولة ويسر بعد أن صرح الولد ماذا سيفعل وبفعلته

حقن الدماء و الولد يتحدث و كأنه أكبر سنا و هذا معناه

أنه يتمتع بقدر من العلم و الفهم والدراية الكبيرة و هنا

إختفي الأب التابع للكنيسة والذي قاد شباب المسيحيين

لإسترداد إبن عيسي الذي كذب عليهم ليسترد حقه الذي

فرط فيه قبل ذلك و زرع فتنة كانت من الممكن أن تؤدي

لشرور عظيمة ..و طلب منه

أن يعترف لله و يتقرب و يصلي ليغفر له ..

و هنا إنهار عيسي و حاول أن يتحدث بأنه أخطأ كثيرا

وكان يريد التوبة عندما يبحث عن طفله ويرده لأحضانه

و أحس أن ذلك سيعوضه عما فاته و يتقرب به إلي الله

و بعد أن إستقر أموره أخذ يبحث عن طفله إلي أن

أستدل علي قصة موسي والولد الذي لقيه في الشارع ثم

رباه فأحس أنه إبنه ثم سال موسي ولم يستجيب وأحس

بإستحالة إسترداد إبنه مما دعاه لأن يكذب ولكن نيته

تقصد رجوع إبنه له أي نية سليمة ..

و بعد توبة عيسي الثانية إلي الله اراد أن يكون إنسان

متدين و حاول التقرب والتعايش مع إبنه الذي سيتعلم

أصول دينه الجديد الأصلي " المسيحية " و أراد عيسي

زرع قيم التسامح و الإنسانية وضمير الإيمان ..

و لكن الولد كان علي الدين اليهودي ومشبع بتعاليمه

لأنه تعلمه في بيت موسي المعروف بالتدين والتزمت و

كان الولد صاحب رأي رغم صغر سنه لأن الديانة

اليهودية تحث علي التفكير والتدبر للوصول للإيمان ..

 

و من هنا قرر الولد أن يصارح أباه ويطلب منه أن يبقي

علي دينه القديم ولكنه سيتعلم تعاليم المسيحية وقد

يصلي مع والده في الكنيسة و رجاه أن يتركه بإرادته

يختار.. كما طلب الولد أن يزور أهله اليهود السابقيين

من آن لآخر ..

فرفض عيسي ما قاله إبنه ثم تقبله تقربا لله وتقربا و

توددا لأبنه فوافق الإثنان علي العيش بسلام رغم ضيق

عيسي من رغبة إبنه لكنه تقبلها ..

و بعد مرور فترة و وفاة موسي و بعدها زوجته و سفر

ابراهيم للخارج ..إنغمس الولد كثيرا مع  أبيه عيسي في

عالم الدين المسيحي و كان عيسي قد قرر أن يكون

شماسا تقربا لله .. أي وراء البابا يحمل الزيت المقدس و

يخدم الكنيسة ..

و كان الولد بالقرب من أبيه يري الدين المسيحي

بطقوسه و شعائره و أحكامه فوجد تشابه كبير بين

الديانتين ..

و أخذ يتخبطه الفكر يمينا ويسارا ليتمكن من فهم الحياة

بعد تجارب عديدة و متنوعة المشاعر والتأثير ..

وجد نفسه يمل إلي الدين المسيحي و قرر الدخول في

المسيحية و كان عمره قد وصل إلي 13 عام و بعدها

بعامان فقد والده عيسي .. و وجد نفسه وحيدا بين أبناء

الكنيسة و رغم تدينه وحرصه علي الصلاة مع أبناء

ديانته إلا أن أصوله اليهودية المعروفة جعلته مع مرور

الوقت كالمنبوذ المرفوض من أبناء ديانته المسيحية

لأصوله اليهودية .. فأحس بالضيق الشديد فهو عمره

حاليا 19 عام ويريد الزواج و دعاه معاملة أبناء

الكنيسة له إلي الإنسحاب تدريجيا من مجتمع الكنيسة

ليصبح شخص عادي فقد إيمانه بعض الشئ مما رآه في

حياته فهو لم يعد له أحد في هذه البلد و صاحب ديانتين

..و لأانه واضح وصريح ومحدد و يعرف ماذا يريد من

نفسه و ماذا يتمني غدا .. و لكن المجتمع الذي

يعيش فيه يتشبع كثيرا من تعاليم وخيمة جاهلية لا أصل

لها ولا صلة بالإنسانية والتسامح و الحب فيقرر السفر

إلي الخارج إلي أكبر بلاد التقدم والحضارة وأختار

أمريكا و نظرا لظروفه نجح في الحصول علي البطاقة

الخضراء في أمريكا وذهب للعمل فهو حاصل علي معهد

عالي تكنولوجيا حاسب آلي و دراسات برمجة

إليكترونية ..

و بعد أن تدبر حاله وماله و ذهب لأمريكا عندما وصل ..

تم حبسه و إستجوابه لمدة أسبوع قبل أن يسمحوا له

العيش في أمريكا ..و قد حكي حكايته كلها و حرصوا

علي الإستماع و السؤال عن كل شئ كان يفعله   و

أمروه بأن يخبرهم بتحركاته و تنقلاته علي مستوي

العمل أو السكن و العودة كل فترة لمقر وزارة الهجرة

والجنسية لملء إستمارة تحديث البيانات الخاصة

بالمهاجرين ..

و خلال فترة الإحتجاز وجد الولد أن هناك شخصا هاما

جدا نزيل من نزلاء الإحتجاز يخافونه الحراس والسجناء

ويطلقون عليه تارة إرهابي خطير أو جاسوس عتيق و

نظر الولد لهذا الشخص فوجده شابا صغيرا نحيفا يكبره

بأعوام قليلة و مكبل بالقيود في يديه وقدميه رغم أنه

يتم إستجوابه للإشتباه فيه ولكن كل منهم قد رأي الآخر

و نظر في عينيه و أحس بأن هناك لقاء سيجمعهما قريبا

و لكن الولد تجنب الأرهبي فهو في أول خطواته في

أمريكا و خصوصا في نيويورك و كان له عمل سوف

ينزل عليه و هو علي حاسب آلي يتعامل مع الجمهور

لتجمعه الصدفة ب " عامر " الأرهابي الجاسوس و بعد

حوار قصير بسيط طلب عامر من  الولد أن يمر عليه بعد

ساعات عمله فهو يشرب قهوته في هذا الوقت في

كافيتريا قريبة من هنا و أنت مدعو و رد الولد بالإيجاب

علي سبيل المجاملة قائلا له أنه سوف يأتي يوما ولكنه

هنا وحاليا لا يخرج من عمله قبل الليل .. فألح عامر أن

يشرب معه القهوة علي سبيل التعارف فقط وانه لن

يكرر طلبه مرة أخري و وافق البطل محرجا هامسا

لنفسه بألا يكررها مرة أخري ..

و كان عامر هادئا جدا ولكن البطل كان متوتر جدا ..

فبادره عامر بأنه تعود علي هذه المعاملة التي رآها في

المطار أو في مكان الإحتجاز لأن هذا هو تمن الحضارة

و هو التمييز بين   أبناء الحضارة والوافدين لها .. فأنت

غريب علي أرض غريبة وسط غرباء ليسوا أصحاب

الأرض و هكذا هي الدنيا .. فرد عليه البطل .. قائلا إذن

هناك أصحاب أرض يحبونها  و لكن تضطرهم الظروف

إلي ترك حالهم ومالهم و الإغتراب رغم كراهية الغربة

..

و دار الحوار بينهما في إنسيابية مغلفة بالغموض

والفلسفية فأحسوا أن الهم واحد .. و توالت اللقاءات

بينهما في وقت الغداء ووقت شرب القهوة في كافتيريا

في المتجر العام القريب من مكان عمل البطل و هو

المكان المفضل لعامر .. ثم جمعهما لقاء آخر أفضي فيه

عامر عن حياته كثيرا و قال أنه من أصول هندية و

عاش فترة من العمر لم يعرف له دين و أمروه أهله

بعبادة الأصنام لم يقتنع ثم البقر لم يقتنع ثم أكل

الحشرات لم يقتنع .. كان يحس أنه يحتاج إلي .. دين

يتسع لما بداخله من صراعات و تساؤلات .. دين يسمح

لعينيه أن تطوف العالم كله و لا تترك شيئا إلا وتراه

وتجربه .. دين لا يضع القيود علي الحرية الإنسانية

ومتطلباتها .. دين يتسع لقلوب الحب و الخير كلها ..

و لكن لم يجد سوي الفقر و الجهل والجوع و الكفر بكل

شئ و تحولت جنة حبه إلي نار كراهية شديدة تحت

وطأة الحاجة التي تدفع للإختراع و كان إختراعي ..

عصابة كونتها من أولاد الشوارع تسرق الأغنياء و

تشتري السلاح وتبيع المخدرات و تقطع الطرق إلي أن

كبرت شهرتي في بلدي و رغم أن الحكومة تراني امامها

إلا أنها لا تستطيع إثبات التهم علي بالأدلة كما أننا لن

عيون داخل الشرطة تحذرنا ..و المنطقة التابعة لي كانت

منطقة حدودية بين الهند وباكستان تدور صراعات

إجتماعية و أحيانا عسكرية سياسية بين المسلمين و

الهنود السيخ و الوثنيين في هذه المنطقة و دارت علي

فترات حروب شرسة بين الهند وباكستان تسببت في

إحداث دمار هائل في البلدين الذين هم في الأصل بلدا

واحدا .. وبالتالي دمرت قرية عامر فلم يبقي له شئ

يسرقه أو يعيش عليه .. و لأنه هندي من قرية نائية

علي الحدود إختار الإنتقال بعصابته للجانب الآخر و هي

باكستان علي الحدود في قرية نائية وبدأ نشاطه

الأجرامي هو وعصابته و بعد فترة هدأت الحرب بين

الجانبين وتعرف عامر علي أحد شيوخ الإسلام في

باكستان في المنطقة الموجود بها في باكستان و دعاه

الشيخ للإنضمام للإسلام هو وعصابته   و دعاهم للجهاد

في سبيل الله بدلا من سبيل الطاغوت ..

و إقتنع عامر بسهولة لوجود مقابل مادي مغري كما أن

ه أعجبه هيبة الشيخ الإمام و خضوع الجماعة كلها له

بالسمع والطاعة و أعجبته هذه اللعبة المغرية و بإسم

الدين حقق الزعامة الكبيرة و كان النهب و السرقة

والتجارة الغير مشروعة هي سبل تمويل هذه الجماعات

حتي أن زراعة الأفيون هي المصدر الرئيسي للتمويل ..

و تعرف عامر علي بن لادن الذي أعجب به كثيرا و كلفه

بمهام قذرة إرهابية في العراق و اليمن ومصر الولايات

المتحدة و بعض الدول الأفريقية لذلك هو معروف لدي

أجهزة المخابرات و لكن غير مثبت عليه شيئا و تم

تقديمه للمحاكمات مرات عديدة دون جدوي و في كل

مرة كان يحصل علي تعويضات من الحكومة لعدم وجود

دليل فهو ماهر في الإرهاب و الهروب والتهريب كما

تعرف عامر علي أنظمة الجماعات و مطبخ صناعتها

الحقيقية .. الجماعات هي باب دمار لزرع الفتن تظهر

فجأة بحرارة تشتعل نارا و تختفي فجاة ببرود الثلج ..

و لكن عامر صرح للبطل أنه بعد معرفته حقيقة

الجماعات الإرهابية وتعمقه في دين الإسلام طوال فترة

إعتناقه الإسلام لكي يعرف أصول الدين الذي يسيطر به

علي أفراد جماعته وبسببه يخضعوا له بالطاعة .. بعد

تعمقي وجدت الإسلام  عكس ما يدعون عليه فهو دين

تسامح وتقبل الآخر والعيش بحرية لذلك قررت فجأة مع

نفسي و دون مقدمات الإنشقاق عليهم و كان السبب

الرئيسي هو .. أن الإمام يجب أن  يتزوج يوميا حتي

يرتاح باله و يصفي ذهنه ليباشر مهامه و كل يوم إمرأة

مختلفة يعقد عليها ثم يطلقها وقت م شاء و كان عامر لا

يرغب في ذلك أن يستمر .. ففضل الإنشقاق ..

و خلاصة سبب تغير عامر هي عودته لأصله وفطرته

السليمة بعد أن عرف وعلم ما هو الإسلام ..

وأراد عامر أن يتزوج وينشأ أسرة و بيت ليبدأ من

جديد بعد توديعه حياة الإمم و لكن الطريق لم يكن ورديا ..

رفض شيوخ الجماعة خروج عامر عليهم و إعتبروه

إرتداد عن دين الإسلام من وجهة نظرهم و هي أنهم

مهاجرون لله و أن الجهاد لرفع راية الإسلام هو غاية

تعطينا تبرير الوسيلة كانت مال حرام تجارة سلاح او

مخدرات .. وحاولوا إعطاء الدليل من الأحاديث و الآيات

القرآنية التي يفسرونها تبعا لأهوائهم ..

و عندما حاول أن يجادلهم فشل ثم طلب منهم أن يتركوه

في حاله .. رفضوا و قال لهم أنني قضيت فترة في

الجماعة

أثبت فيها كفائتي وقوة إيماني و عند طلب جائزتي علي

الخدمة بأن تتركوني لحالي ترفضون ..

فقالوا أنك أطلعت علي أدق أسرارنا ولا يسمح لك أو

لغيرك الخروج علي صف الجماعة و إلا الجزاء القتل

للخائن  ..

و فضل عامر الهروب بعيدا لأمريكا ليحتمي بها و معه

قدر من المال ساعده علي الوصول لأمريكا وتبقي مبلغ

يحاول به عامر إنشاء مركز ثقافي للتقارب بين الأديان

و أعجبت الفكرة البطل و حاول أن يفاتحه في العمل معه

ولكن تخوف قليلا ثم إنتظر حتي تقاربا جدا من بعضهما

و وجدا أفكارهما واحدة فيما يخص " الله – الحياة –

الدنيا – الناس " و هي مقولات واحدة في كل الأديان و

قدما معا خدمة للمركز أمثلة من الحياة و قدما حياتهما

شخصيا دليل ..

و قدما إثباتات في مقارنات الأديان فيما يخص التوحيد و

مبادئ الأديان و بمرور الوقت وتفاعل المجتمع أصبح

للمركز الثقافي مكانة عالمية علي الأنترنت و نجح

الموقع نجاحا باهرا و إختلفت حياتهم تماما وأصبحوا

أغنياء و مشهوريين و إستضافتهم برامج الإعلام

الأمريكية مما أحدث دوي عالمي لعملهم و هذا لم يعجب

بعض أصحاب المصالح و المافيا  المتنوعة علي العلم و

الإرهابيين المتشددين و أصحاب نظرية المؤامرة و

الظالميين وغيرهم ..

و كأنهم إتحدوا ليقتلوا من يحاول أن يوحد البشر حول

كلمة سلام واحدة و كلمة إيمان واحدة و إحترام الآخر

وتقبله و التعايش معه والتعامل معه دون أدني إيذاء ..

لذلك تم تدبير مؤامرة إرهابية علي المركز و تفجيره

ومات الإثنان و إختلطت دماؤهم معا في سبيل توحيد

كلمة البشر حول الحياة ومتعتها و البعد عن الحرب

ودمارها ..

 


النــــــــــهــــــــــــايــــــــــة